للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّالِثُ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا، وَارْتَضَاهُ كُلُّ مَنْ يَنْتَمِي إلَى التَّحْقِيقِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ: " إنَّهُ صَحِيحٌ مَقْبُولٌ، وَهُوَ إنْ اشْتَمَلَ عَلَى مَعْنَى مُعَارَضَةِ الْأَصْلِ وَعَلَى مُعَارَضَةِ عِلَّةِ الْفَرْعِ بِعِلَّةٍ فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمُعَارَضَةَ، بَلْ مُنَاقَضَةُ الْجَمْعِ وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: ذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّهُ أَقْوَى الِاعْتِرَاضَاتِ وَأَجْدَرُهَا بِالِاعْتِنَاءِ بِهِ. هَكَذَا حَكَاهُ فِي " الْمَنْخُولِ " عَنْ الْجُمْهُورِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " الْمُلَخَّصِ ": إنَّهُ أَفْقَهُ شَيْءٍ يَجْرِي فِي النَّظَرِ، وَبِهِ يُعْرَفُ فِقْهُ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْعِلَّةِ خُلُوُّهَا عَنْ الْمُعَارَضَةِ، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ الْمُعَلِّلَ لَا يَسْتَقِرُّ مَا لَمْ يُبْطِلْ بِمَسْلَكِ السَّبْرِ كُلُّ مَا عَدَا عِلَّتِهِ مِمَّا يُقَدَّرُ التَّعْلِيلُ بِهِ، فَإِذَا عَلَّلَ وَلَمْ يَسْبُرْ فَعُورِضَ بِمَعْنًى فِي الْأَصْلِ، فَكَأَنَّهُ طُولِبَ بِالْوَفَاءِ بِالسَّبْرِ.

ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى مَعْنَى التَّعْلِيلِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْقَاضِيَ اسْتَدَلَّ عَلَى قَبُولِهِ بِأَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَجْمَعُونَ وَيُفَرِّقُونَ، وَيَتَعَلَّقُونَ بِالْفَرْقِ كَمَا يَتَعَلَّقُونَ بِالْجَمْعِ، كَمَا فِي قَضِيَّةِ الْجَارِيَةِ الْمُرْسِيَةِ الَّتِي أَجْهَضَتْ الْجَنِينَ وَقَدْ أَرْسَلَ إلَيْهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُهَدِّدُهَا، فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَشَارَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّمَا أَنْتَ مُؤَدِّبٌ، وَلَا أَرَى عَلَيْك شَيْئًا. وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنْ لَمْ يَجْتَهِدْ فَقَدْ غَشَّك، وَإِنْ اجْتَهَدَ فَقَدْ أَخْطَأَ، أَرَى عَلَيْك الْغُرَّةَ.

وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ حَاوَلَ تَشْبِيهَ تَأْدِيبِهِ بِالْمُبَاحَاتِ الَّتِي لَا تُعَقَّبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>