وُجُودُ مَعْنًى آخَرَ لَا يَضُرُّنِي، لِأَنَّهُ يُؤَكِّدُ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَعْلِيلِي، وَصَارَ غَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ عَكْسُهُ لِأَنَّهُ ادَّعَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ وَصْفُ كَذَا، فَإِذَا أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ وَصْفًا آخَرَ امْتَنَعَ التَّعْلِيلُ فِي الْأَصْلِ بِهِ، وَإِذَا امْتَنَعَ التَّعْلِيلُ امْتَنَعَتْ التَّعْدِيَةُ.
وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِهِ وَقَدْحِهِ فِي الْعِلَّةِ عَلَى مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: - أَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْبُولٍ، لِأَنَّ الْجَامِعَ لَمْ يَلْتَزِمْ بِجَمْعِهِ مُسَاوَاةَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ فِي جَمِيعِ الْقَضَايَا، وَإِنَّمَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي وَجْهٍ، وَلَا يَتَضَمَّنُ الْجَمْعَ بَيْنَ أَسْئِلَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَلِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ ذَكَرَ مَعْنًى فِي جَانِبِ الْأَصْلِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَعْلِيلَ الْمُعَلِّلِ بِجَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ، وَحَكَاهُ فِي " الْبُرْهَانِ " عَنْ طَوَائِفَ مِنْ الْجَدَلِيِّينَ وَالْأُصُولِيِّينَ (قَالَ) : وَإِنَّمَا يَسْتَمِرُّ هَذَا مَعَ الْقَوْلِ بِرَدِّ الْمُعَارَضَةِ فِي جَانِبِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ جَمِيعًا (قَالَ) : وَهُوَ عِنْدَ الْمُحَصِّلِينَ سَاقِطٌ مَرْدُودٌ.
وَأَمَّا ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فَقَالَ: وَعِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ أَضْعَفُ سُؤَالٍ يُذْكَرُ، وَلَيْسَ مِمَّا يَمَسُّ الْعِلَّةَ الَّتِي نَصَبَهَا الْمُعَلِّلُ بِوَجْهٍ مَا، لَكِنَّ نِهَايَةَ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْفَارِقَ يَدَّعِي مَعْنًى فِي الْأَصْلِ مَعْدُومًا فِي الْفَرْعِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَعْنَى الَّذِي نَصَبَهُ الْمُعَلِّلُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ مَعْلُولًا بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ وَوُجِدَتْ إحْدَاهُمَا فِي الْفَرْعِ وَعُدِمَتْ الْأُخْرَى، وَإِحْدَاهُمَا كَافِيَةٌ لِوُجُوبِ الْحُكْمِ، وَانْتِفَاءُ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ لَا يَقْتَضِي انْتِفَاءَ حُكْمِهَا إذَا خَلَفَتْهَا عِلَّةٌ أُخْرَى.
وَالثَّانِي: - قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ الْفَرْقَ لَيْسَ سُؤَالًا عَلَى حِيَالِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنَى مُعَارَضَةِ الْأَصْلِ بِمَعْنًى، وَمُعَارَضَةُ الْعِلَّةِ الَّتِي نَصَبَهَا الْمُسْتَدِلُّ فِي الْفَرْعِ بِعِلَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمُعَارَضَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute