بَلْ يَجُوزُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ، فَيُطْلَقُ فِعْلُهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ. (قَالَ) : وَلَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْفَرْقِ وَالْجَمْعِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ بِشَيْءٍ، فَلَا يُدْرَى كَيْفَ وَقَعَ هَذَا الْخَبْطُ مِنْ هَذَا الْقَائِلِ.
وَإِنْ وَقَعَ الْفَرْقُ فَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ الْفَرْقَ بِالْمَعَانِي الْمُؤَثِّرَةِ وَتَرْجِيحِ الْمَعْنَى عَلَى الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي شَيْءٍ وَرَاءَ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ الْمُعَلِّلَ لَمَّا ذَكَرَ عِلَّةً قَامَ لَهُ الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهَا، فَفَرَّقَ الْفَارِقُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِمَعْنًى، فَإِنْ كَانَ فَرْقًا لَا يَقْدَحُ فِي التَّأْثِيرِ الَّذِي لِوَصْفِ الْمُعَلِّلِ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فَرْقٌ صُورَةً، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَإِنْ فَرَّقَ بِمَعْنًى مُؤَثِّرٍ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ فَغَايَتُهُ التَّعْلِيلُ بِعِلَّتَيْنِ. وَإِنْ بَيَّنَ الْفَارِقُ مَعْنًى مُؤَثِّرًا فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَالْقَادِحُ بَيَانُ مَعْنًى يُؤَثِّرُ فِي الْفَرْعِ يُفِيدُ خِلَافَ الْحُكْمِ الَّذِي أَفَادَهُ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، فَلَا بُدَّ لِهَذَا مِنْ إسْنَادِهِ إلَى أَصْلٍ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُعَارَضَةً، وَلَا يَكُونُ الْفَرْقُ الَّذِي يُقْصَدُ بِالسُّؤَالِ، وَنَحْنُ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُعَارَضَةَ قَادِحَةٌ. (انْتَهَى)
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُعَارَضَةَ فِي الْفَرْعِ لَا تُسَمَّى فَرْقًا، وَيَصِيرُ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا. وَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ فَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ. وَنَقَلَ إلْكِيَا مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ فِي اسْتِدْلَالِ الْقَاضِي عَنْ عَامَّةِ الْأُصُولِيِّينَ ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ عِنْدَنَا أَنَّ الْفَرْقَ إنَّمَا يَقْدَحُ إذَا كَانَ أَخَصَّ مِنْ جَمِيعِ الْعِلَلِ، فَإِذْ ذَاكَ يَتَبَيَّنُ بِهِ فَسَادُ الْجَمْعِ، إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ ابْتِدَاءً تَعْلِيلٌ فِي الْأَصْلِ، وَعَكْسُهُ فِي الْفَرْقِ. وَرُبَّ فَرْقٍ يَظْهَرُ فَتَخْرُجُ عِلَّةُ الْمُعَلِّلِ عَنْ اعْتِبَارِهَا شَرْعًا، وَحِينَئِذٍ فَيَلْحَقُ تَعْلِيلُ الْمُعَلِّلِ بِالطَّرْدِ، فَإِنَّهُ أَخَصُّ مِنْ الْجَمْعِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنْ كَانَ الْجَمْعُ مَثَلًا لِلْفَرْقِ أَوْ أَخَصَّ فَلَا نُبَالِي بِهِ، كَقَوْلِ الْمَالِكِيِّ فِي الْهِبَةِ: عَقْدُ تَمْلِيكٍ تَرَتَّبَ عَلَى صِحَّةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِيهَا الْمِلْكُ بِالْمُعَاوَضَةِ، فَيَقُولُ الْفَارِقُ: الْمُعَاوَضَةُ يَتَضَمَّنُهَا النُّزُولُ عَنْ الْعِوَضِ وَالرِّضَا بِالْمُعَوَّضِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَالْهِبَةُ قَدْ عَارَتْ بِهَا. فَالْمُعَلِّلُ يَقُولُ: تِلْكَ الصِّيغَةُ مُطْرَحَةٌ فَيَضْطَرِبُ النَّظَرُ فِيهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute