قَالَ) وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ نُكْتَةَ الْفَرْقِ كَوْنُهُ أَخَصَّ مِنْ الْجَمْعِ، وَالْجَمْعُ أَعَمُّ، فَإِذًا فِي الْفَرْقِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ أَصَحُّهَا أَنَّ الْفَرْقَ يَرْجِعُ إلَى قَطْعِ الْجَمْعِ مِنْ حَيْثُ الْخُصُوصِيَّةُ.
وَ (الثَّانِي) إبْطَالُ الْفَرْقِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُعَارَضَةً فِي جَانِبِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، وَالْمُعَارَضَةُ بَاطِلَةٌ.
وَ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ مَقْبُولٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ قَدْحًا فِي غَرَضِ الْجَمْعِ. وَهَذَا مُلَخَّصٌ مِنْ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْفَرْقَ إمَّا أَنْ يَلْحَقَ الْجَامِعَ بِوَصْفٍ طَرْدِيٍّ، أَوْ لَا.
وَ (الْأَوَّلُ) مَقْبُولٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَمِنْ عَلَامَتِهِ أَنْ يُقَيِّدَ الْفَارِقُ جَمْعَ الْجَامِعِ وَيَزِيدَ فِيهِ مَا يُوَضِّحُ بُطْلَانَ أَثَرِهِ، كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ: مُعَاوَضَةٌ عَنْ تَرَاضٍ فَتُفِيدُ الْمِلْكَ، كَالصَّحِيحِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ جَرَتْ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ فَنَقَلَتْ الْمِلْكَ بِالشَّرْعِ، بِخِلَافِ الْمُعَاوَضَةِ الْفَاسِدَةِ.
وَ (الثَّانِي) هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، كَقَوْلِ الْمَالِكِيِّ فِي الْهِبَةِ، يَحْصُلُ فِيهَا الْمِلْكُ فِيهِ بِالصِّيغَةِ بِلَا قَبْضٍ، لِأَنَّهُ عَقْدُ تَمَلُّكٍ، فَيَحْصُلُ الْمِلْكُ فِيهِ بِالصِّيغَةِ كَالْبَيْعِ، فَيَقُولُ الْفَارِقُ: الْمُعَاوَضَةُ تَتَضَمَّنُ النُّزُولَ عَنْ الشَّيْءِ بِعِوَضٍ، فَتَضَمَّنَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ الرِّضَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ نُزُولٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَافْتَقَرَ إلَى الْقَبْضِ لِيَدُلَّ عَلَى الرِّضَا. فَهَذَا النَّوْعُ هُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ. فَمَنْ رَدَّ الْمُعَاوَضَةَ فِي الْأَصْلِ أَوْ فِي الْفَرْعِ أَوْ أَحَدِهِمَا رَدَّهُ. وَقِيلَ بِقَبُولِهِ عَلَى أَنَّهُ مُعَارَضَةٌ، وَالْمُخْتَارُ قَبُولُهُ لِحَاجَةٍ. وَهِيَ مُنَاقَضَةٌ فِقْهِيَّةٌ لِلْجَمْعِ.
ثُمَّ أَتَى الْإِمَامُ بَعْدَ ذَلِكَ بِكَلَامٍ جَامِعٍ فَقَالَ: الْفَرْعُ وَالْجَمْعُ إنْ ازْدَحَمَا عَلَى أَصْلٍ وَفَرْعٍ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَالْمُخْتَارُ فِيهِ عِنْدَنَا اتِّبَاعُ الْإِحَالَةِ. فَإِنْ كَانَ الْفَرْقُ أَصْلًا عَلَّلَ الْجَمْعَ وَعَكْسَهُ، وَإِنْ اسْتَوَيَا أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ هُنَا بِالْعِلَّتَيْنِ الْمُتَنَاقِضَتَيْنِ وَإِذَا بَنَيْنَا عَلَى صِيغَةِ التَّسَاوِي أَمْكَنَ أَنْ يُقَدَّمَ الْجَمْعَ مِنْ جِهَةِ وُقُوعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute