الْفَرْقِ بَعْدَهُ غَيْرَ مُنَاقِضٍ لَهُ (قَالَ) : وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْفَرْقُ لَا يُحِيطُ فِيهِ الْجَمْعُ بِالْكُلِّيَّةِ. فَإِنْ أَبْطَلَهُ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ الْجَمْعِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَيَكُونُ مَقْبُولًا قَطْعًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ أَبَانَ الْفَرْقُ أَنَّ الْجَامِعَ طَرْدِيٌّ فَلَا خِلَافَ فِي قَبُولِهِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ خِلَافٌ مِنْ الْقَائِلِينَ بِرَدِّ الطَّرْدِيِّ. وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ فَفِيهِ مَذْهَبَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مَرْدُودٌ مُطْلَقًا. وَ (ثَانِيهُمَا) أَنَّهُ مَقْبُولٌ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهِ: فَقِيلَ: لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ فَرْقًا، بَلْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُعَارَضَةً، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ الْقَصْدُ مِنْهُ الْمُعَارَضَةَ.
ثُمَّ قِيلَ: هُوَ أَضْعَفُ سُؤَالٍ يُذْكَرُ، وَحَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مِنْ أَقْوَى الْأَسْئِلَةِ.
ثُمَّ قِيلَ: هُوَ سُؤَالَانِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ سُرَيْجٍ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مُعَارَضَةِ عِلَّتِهِ لِلْأَصْلِ بِعِلَّةٍ، ثُمَّ مُعَارَضَةُ عِلَّتِهِ لِلْفَرْعِ بِعِلَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ فِي جَانِبِ الْفَرْعِ. وَالْمُخْتَارُ - كَمَا قَالَهُ فِي " الْمَنْخُولِ " - أَنَّهُ سُؤَالٌ وَاحِدٌ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْفَرْقُ وَإِنْ تَضَمَّنَ الْإِشْعَارَ بِمَنْعِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ وَدَعْوَى عِلَّةٍ أُخْرَى فِيهِ وَمُعَارَضَةٍ فِي الْفَرْعِ بِعَكْسِ الْمُدَّعِي فِي الْأَصْلِ. إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْفَارِقُ وَصْفًا آخَرَ فِي جَانِبِ الْفَرْعِ عِنْدَ عَكْسِهِ فَيَكُونُ مُعَارِضًا وَتَتَعَدَّدُ.
وَالْمُخْتَارُ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَى أُصُولٍ مُتَعَدِّدَةٍ، قَبُولُ فُرُوقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، إذْ قَدْ لَا يُسَاعِدُ الْفَارِقَ فِي الْفَرْقِ الْإِتْيَانُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ مُتَنَاوِلٍ لِجَمِيعِ الْأُصُولِ. وَقَدْ ذَكَرَ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي قَبُولِ الْفَرْقِ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَنْبَطَتَيْنِ. فَمَنْ جَوَّزَهُ قَالَ: لَا يَقْدَحُ الْفَرْقُ فِي الْعِلِّيَّةِ فَلَا يَفْسُدُ قِيَاسُهُ وَلَا جَمْعُهُ بِعِلِّيَّةِ الْفَرْقِ لِجَوَازِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى. وَمَنْ مَنَعَهُ فَهُوَ قَائِلٌ بِالْعَكْسِ فَيَقْدَحُ الْفَرْقُ حِينَئِذٍ وَيَبْطُلُ الْقِيَاسُ. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الْقَائِلُ بِأَنَّ الْحُكْمَ يُعَلَّلُ بِعِلَّتَيْنِ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُجْعَلَ جَوَابًا عَنْ الْفَرْقِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ عَدَمَ إشْعَارِهِ بِإِثَارَةِ الْفَرْقِ وَيُرَجِّحَ مَسْلَكَ الْجَامِعِ مِنْ طَرِيقِ الْفِقْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute