مَسْأَلَةٌ
إذَا فَرَّقَ الْمُفَرِّقُ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعْكِسَ ذَلِكَ فِي الْفَرْعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى وَبِغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ يَجُوزُ ثُبُوتُهُ بِعِلَّتَيْنِ، قَالَ أَبُو الْخَيْرِ بْنُ جَمَاعَةَ الْمَقْدِسِيُّ فِي " الْفُرُوقِ " وَمَثَّلَهُ بِقِيَاسِ الْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، حَتَّى قَالُوا: ذِكْرٌ لَا يُجْهَرُ بِهِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ فَلَمْ يَجِبْ، كَتَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا فَقَالُوا: التَّسْبِيحُ يُشْرَعُ فِي رُكْنٍ هُوَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ، فَلِهَذَا كَانَ وَاجِبًا.
وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ فِي أَنَّ " الْفَرْقَ مُعَارَضَةٌ أَوْ مَقْبُولٌ لِنَفْسِهِ " أَنَّهُ إذَا أَبْدَى الْفَارِقُ مَعْنًى فِي الْأَصْلِ مُغَايِرًا لِمَعْنَى الْمُعَلِّلِ وَعَكْسِهِ فِي الْفَرْعِ، وَرَبَطَ بِهِ الْحُكْمَ مُنَاقِضًا لِحُكْمِ الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ. فَفِي اشْتِرَاطِ رَدِّ مَعْنَى الْفَرْعِ إلَى الْأَصْلِ أَقْوَالٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَرُدَّ عِلَّةَ الْأَصْلِ إلَى الْأَصْلِ، وَعِلَّةَ الْفَرْعِ إلَى أَصْلٍ. وَذَهَبَ إلَيْهِ طَوَائِفُ مِنْ الْجَدَلِيِّينَ. وَنُقِلَ عَنْ الْأُسْتَاذِ، بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ مُعَارَضَةٌ فَيَنْبَغِي اشْتِمَالُهَا عَلَى عِلَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، وَعَلَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ الْمُرْسَلَ مَرْدُودٌ. فَقَالَ الْقَاضِي: مَذْهَبِي قَبُولُ الِاسْتِدْلَالِ، وَلَوْ كُنْت مِنْ الْقَائِلِينَ بِإِبْطَالِ الِاسْتِدْلَالِ لَقَبِلْته عَلَى أَنَّهُ فَرْقٌ، بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ يُقْبَلُ لِخَاصِّيَّتِهِ وَهُوَ الْمُنَاقَضَةُ، وَهَذَا يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ رَدٍّ إلَى أَصْلٍ. وَمَا أَظْهَرَهُ الْفَارِقُ لَا أَصْلَ لَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute