وَالثَّانِي: لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ، لَا فِي الْأَصْلِ وَلَا فِي الْفَرْعِ، وَنُسِبَ لِلْجُمْهُورِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ، وَبَنَاهُ الْإِمَامُ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ قَطْعُ الْجَمْعِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ، وَبَنَاهُ الْغَزَالِيُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ الْمُرْسَلَ مَقْبُولٌ، وَنَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ ذَلِكَ فِي تَفَاصِيلَ ذَكَرَهَا فِي " الْمَنْخُولِ ".
وَالثَّالِثُ: يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي عِلَّةِ الْفَرْعِ دُونَ الْأَصْلِ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، أَيْ إنْ كَانَ الْفَرْقُ بِذِكْرِ وَصْفٍ فِي الْفَرْعِ انْقَطَعَ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَصْلٍ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ إذَا عَكَسَهُ فِي الْفَرْعِ انْقَطَعَ الْجَمْعُ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ الظَّنُّ.
وَالرَّابِعُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَرِدَ الْفَرْقُ عَلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَصْلٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَى قِيَاسِ الْمَعْنَى احْتَاجَ إلَيْهِ.
وَالْخَامِسُ: أَنَّ الْفَرْقَ فِي الْفَرْعِ إنْ كَانَ يُخِلُّ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى أَصْلٍ، وَإِنْ لَمْ يُخِلَّ افْتَقَرَ إلَى أَصْلٍ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إثْبَاتِ الْحُكْمِ تَحْصِيلُ الْمَصْلَحَةِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَرُدَّ كُلًّا مِنْهَا إلَى أَصْلٍ كَانَ مُدَّعِيًا فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ عِلَّتَيْنِ وَاقِفَتَيْنِ، وَمُسَلِّمًا لِعِلَّةِ الْمَسْئُولِ، وَهِيَ مُتَعَدِّيَةٌ، وَالْمُتَعَدِّيَةُ أَوْلَى مِنْ الْوَاقِفَةِ، فَكَأَنَّهُ عَارَضَ الْمُسْتَدِلَّ بِدُونِ دَلِيلِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكْفِي فِي الْمُعَارَضَةِ، لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ لَوْ رَجَحَ دَلِيلُهُ عَلَى مُعَارَضَةِ السَّائِلِ بِبَعْضِ أَنْوَاعِ التَّرْجِيحِ لَحُكِمَ لَهُ بِالسَّبْقِ. وَمِمَّنْ حَكَى هَذِهِ الْمَذَاهِبَ الْبَاجِيُّ وَأَبُو الْخَيْرِ بْنُ جَمَاعَةَ فِي كِتَابِهِ " الْوَسَائِلِ ".
فَرْعٌ: فَإِنْ شَرَطْنَا رَدَّ مَعْنَى الْفَرْعِ فِي الْفَرْقِ إلَى أَصْلٍ، فَلَوْ أَبْدَاهُ فِي الْأَصْلِ فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَى أَصْلٍ آخَرَ، فَيَحْتَاجُ الْفَرْعُ وَالْأَصْلُ إلَى أَصْلَيْنِ، لِأَنَّهُمَا مَعْنَيَانِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ، بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ، لِأَنَّ الْغَرَضَ مُضَادَّةُ الْجَامِعِ فِيهِمَا كَالْمَعْنَى الْوَاحِدِ، وَلَوْ قُلْنَا بِالِاحْتِيَاجِ إلَى أَصْلٍ لَقَبِلْنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute