الْمُعَارَضَةَ فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ بِأَصْلٍ آخَرَ وَيَسْتَمِرُّ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَهُوَ بَاطِلٌ. هَذَا إذَا أَبْدَى مَعْنًى فِي الْأَصْلِ وَعَكْسَهُ فِي الْفَرْعِ. فَلَوْ عَكَسَ الْفَارِقُ فِي الْفَرْعِ مَعْنَى الْأَصْلِ فَلَمْ يُنَاقِضْ فِقْهُ الْعَكْسِ فِقْهَ الْجَمْعِ، أَوْ نَاقَضَهُ عَلَى بُعْدٍ، فَاحْتَاجَ إلَى مَزِيدٍ فِي الْفَرْعِ، فَاخْتَلَفَ الْجَدَلِيُّونَ فِيهِ: فَمَنْ اعْتَقَدَ الْفَرْقَ مُعَارَضَةً لَمْ يَمْنَعْ الزِّيَادَةَ. وَمَنْ قَالَ: إنَّمَا هُوَ مَعْنًى يُضَادُّ الْجَامِعَ اكْتَفَى بِثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ وَنَفْيِهِ فِي الْفَرْعِ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي الْفَرْعِ لَيْسَ لَهَا فِي جَانِبِ الْأَصْلِ ثُبُوتٌ، فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا.
مَسْأَلَةٌ
الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ مِنْ الْقَوَادِحِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ مِنْ تَمَامِهِ وَلَوَازِمِهِ نَفْيُهُ عَنْ الْفَرْعِ أَمْ لَا؟ مِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى الْفَارِقِ، لِأَنَّ قَصْدَهُ افْتِرَاقُ الصُّورَتَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ: وَقِيلَ بِالتَّفْصِيلِ: إنْ صَرَّحَ فِي إيرَادِ الْفَرْقِ بِالِافْتِرَاقِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ نَفْيِهِ عَنْهُ، وَإِلَّا فَإِنْ قَصَدَ أَنَّ دَلِيلَهُ غَيْرُ قَائِمٍ فَلَا يَجِبُ.
هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ وَاحِدًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَعَدِّدًا فَقِيلَ: يُمْنَعُ ذَلِكَ لِإِفْضَائِهِ إلَى انْتِشَارِ الْكَلَامِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلتَّقْوِيَةِ. ثُمَّ الْمُجَوِّزُونَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ إذَا فَرَّقَ الْمُعْتَرِضُ بَيْنَ أَصْلٍ وَاحِدٍ وَبَيْنَ الْفَرْعِ هَلْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ أَمْ لَا بَلْ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْفَرْعِ وَبَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؟ فَقِيلَ: يَكْفِيهِ ذَلِكَ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ إلْحَاقَ الْفَرْعِ بِتِلْكَ الْأُصُولِ بِأَسْرِهَا غَرَضُ الْمُسْتَدِلِّ، وَإِلَّا لَمْ يُعَدِّدْهُ، وَهُوَ غَيْرُ حَاصِلٍ ضَرُورَةً أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُلْحَقًا بِالْأَصْلِ الَّذِي فَرَّقَ الْمُعْتَرِضُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَرْعِ. وَقِيلَ: لَا يَكْفِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ. وَالْقَائِلُونَ بِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفَرْقُ وَاحِدًا لِئَلَّا يَنْتَشِرَ الْكَلَامُ أَمْ يَجُوزُ تَعَدُّدُهُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: أُولَاهُمَا الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ فِي الْأَكْثَرِ فَيَلْزَمُ سَدُّ بَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute