وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْوَسِيلَةُ سَبَبَ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَيَجِبُ أَوْ شَرْطَهُ فَلَا يَجِبُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ " الْمَصَادِرِ " كَمَا سَبَقَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ وُجُودَ السَّبَبِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمُسَبَّبِ بِخِلَافِ الشَّرْطِ. وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: إنْ كَانَ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا فَهُوَ وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَالْمَذْهَبُ الْخَامِسُ: يَجِبُ الشَّرْطُ الشَّرْعِيُّ إذَا كَانَ الْفِعْلُ يَتَأَتَّى بِدُونِهِ عَقْلًا أَوْ عَادَةً لَكِنْ الشَّرْعُ جَعَلَهُ شَرْطًا لِلْفِعْلِ كَالْوُضُوءِ وَأَمَّا مَا لَمْ يَتَأَتَّ اسْمُ الْفِعْلِ إلَّا بِهِ عَقْلًا أَوْ عَادَةً كَالْأَمْرِ بِغَسْلِ الْوَجْهِ فَهُوَ وَاجِبٌ فِي نَفْسِهِ، وَلَا نُسَمِّيهِ شَرْطًا، إذْ لَا يَتِمُّ عَادَةً غَسْلُ الْوَجْهِ إلَّا بِغَسْلِ شَيْءٍ مِنْ الرَّأْسِ، وَبِهَذَا أَجَابَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَابْنُ بَرْهَانٍ وَتَبِعَهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ.
وَالْفَرْقُ: أَنَّ الشَّرْطَ الشَّرْعِيَّ يُمْكِنُ دُخُولُهُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَشْرُوطِ هَاهُنَا كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ بِخِلَافِ غَيْرِ الشَّرْعِيِّ، نَحْوَ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْ الشَّرْعِ نَصٌّ عَلَى إيجَابِهِ بَلْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِغَسْلِ الْوَجْهِ مُطْلَقًا، وَالْعَادَةُ تَقْضِي بِأَنَّ غَسْلَ الْوَجْهِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِغَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الرَّقَبَةِ، فَبِهَذَا افْتَرَقَ الشَّرْطُ الشَّرْعِيُّ وَغَيْرُهُ. هَذَا تَحْرِيرُ النَّقْلِ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ. الْمَذْهَبُ السَّادِسُ: الْوَقْفُ، أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ " الْمُعْتَمَدِ " إلْزَامًا لِلْوَاقِفِينَ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِشَرْطِ تَحْصِيلِ الْمُقَدِّمَةِ، وَلَا بِأَمْرٍ خِلَافَهُ، فَيَجِبُ الْوَقْفُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنْ كَانَ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ مُلَازِمًا فِي الذِّهْنِ بِحَيْثُ إنَّ الْمُكَلَّفَ حَالَ اسْتِمَاعِ الْأَمْرِ يَنْتَقِلُ ذِهْنُهُ إلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَيَعْلَمُ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ مُمْتَنِعٌ بِدُونِ الْإِتْيَانِ بِتِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُلَازِمًا، بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا فَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ وَاجِبًا مِنْ تِلْكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute