الْمُسْتَدِلِّ فَهُوَ (قَلْبٌ) ، وَإِنْ رَدَّهُ لِأَصْلٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَتْ جِهَتَا الْمُنَاسَبَةِ لِلنَّقِيضِ مُخْتَلِفَيْنِ فَهُوَ (مُعَارَضَةٌ) ، وَإِنْ اتَّحَدَتْ الْجِهَةُ فَهُوَ (قَدْحٌ فِي الْمُنَاسَبَةِ) . وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ الْمُعْتَرِضَ إلَى أَصْلٍ وَالْجِهَةُ مُخْتَلِفَةٌ فَهُوَ (مُعَارَضَةٌ لِمَعَانِي الْأُصُولِ بِالْمُرْسَلَاتِ) فَلَا تُسْمَعُ. وَأَمَّا فَسَادُ الِاعْتِبَارِ فَحَاصِلُهُ (مُعَارَضَةٌ) . فَإِنْ كَانَ التَّوْقِيفُ أَقْوَى أَوْ تَسَاوَيَا تَمَّتْ الْمُعَارَضَةُ، أَوْ أَضْعَفَ قُدِّمَ، عَلَى طَرِيقَةِ الْإِمَامِ.
الثَّانِي: نَقْلُ خِلَافٍ فِي اسْتِعْمَالِ السُّؤَالِ عَلَى مُوَافَقَةِ النَّصِّ، هَلْ يَكُونُ فَسَادَ وَضْعٍ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: فَلَا حَاصِلَ عِنْدِي لِهَذَا الْخِلَافِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَ دَلِيلَيْنِ إلَّا عَلَى تَفْسِيرٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ أَحَدَهُمَا، أَمَّا إذَا سَبَقَ إلَى الْفِكْرِ الظَّنُّ بِأَحَدِهِمَا اسْتَحَالَ أَنْ تَظُنَّ بِالْآخَرِ ظَنًّا آخَرَ مُجَامِعًا لِلْأُولَى. انْتَهَى. وَهَذَا خِلَافُ طَرِيقَةِ النَّاسِ الْمَشْهُورَةِ وَأُوِّلَ إطْلَاقُ الْعُلَمَاءِ بِاجْتِمَاعِ الْعِلَّةِ عَلَى أَنَّهُ إذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ كَفَى فِي حُصُولِ الْغَرَضِ.
الثَّالِثُ: قَدْ يُورَدُ هَذَا السُّؤَالُ عَلَى قَوَاعِدِ أَصْحَابِنَا فِي قِيَاسِ الْعَامِدِ عَلَى النَّاسِي فِي تَرْكِ التَّسْمِيَةِ، وَفِي جَبْرِ الصَّلَاةِ بِالسُّجُودِ، وَفِي قَضَائِهَا عِنْدَ التَّرْكِ، وَفِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَيُقَالُ: كَيْفَ يَصِحُّ الْإِلْحَاقُ مَعَ أَنَّ الشَّرْعَ عَذَرَ النَّاسِيَ وَرَفَعَ التَّكْلِيفَ عَنْهُ، وَلَمْ يَعْذِرْ الْعَامِدَ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إعْذَارِ النَّاسِي إعْذَارُ الْعَامِدِ. وَقَدْ كَثُرَ التَّشْنِيعُ عَلَيْنَا فِي هَذَا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْعَمْدَ يُفَارِقُ النِّسْيَانَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِثْمِ وَعَدَمِهِ. فَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ، أَوْ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، وَالْإِيجَابِ وَعَدَمِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الطَّهَارَةَ عَمْدًا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، وَكَذَلِكَ نَاسِيًا. وَكَذَلِكَ تَرْكُ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَأْمُورَاتِ. وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهَا فِي الْمَنْهِيَّاتِ.
وَقَدْ يُورِدُ أَيْضًا قِيَاسَ الْمُخْطِئِ عَلَى الْعَامِدِ فِي إيجَابِ كَفَّارَةِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ فِيهِ تَنْبِيهًا عَلَى وُجُوبِهَا فِيمَا دُونَ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute