وَقَالَ الْمُقْتَرِحُ: التَّحْقِيقُ أَنَّ الْمَنْعَ كَوْنُ الْأَصْلِ مُعَلَّلًا لَا يَرِدُ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُحَرِّرَ الْمُسْتَدِلُّ الْعِبَارَةَ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ يُحَرِّرْهَا لَمْ يُرِدْ عَلَيْهِ الْمَنْعُ، لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا يَرِدُ عَلَى مَذْكُورٍ، وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا، بَلْ قَوْلُهُ: أَجْمَعْنَا عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فَلْيُحَرَّمْ النَّبِيذُ، فَهَذَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ، فَلَا يَتَّجِهُ مَنْعُ كَوْنِ الْأَصْلِ مُعَلِّلًا، بَلْ لَا يُخَاطِبُ حَتَّى يُصَرِّحَ بِالْجَامِعِ. وَإِنْ حَرَّرَ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ كَوْنُ مَا ادَّعَاهُ عِلَّةً أَوْ لَا. فَإِنْ سَلَّمَ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْأَصْلِ مُعَلِّلًا، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، فَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَنْعُ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً لَا مَنْعُ كَوْنِ الْأَصْلِ مُعَلَّلًا.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي مَنْعِ كَوْنِ الْأَصْلِ مُعَلَّلًا: هَلْ يُقْبَلُ أَمْ لَا؟ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا، وَهِيَ أَنَّا: هَلْ نَحْتَاجُ فِي كُلِّ صُورَةٍ إلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا مُعَلَّلٌ؟ أَوْ يُكْتَفَى بِالدَّلِيلِ الْعَامِّ عَلَى أَنَّ الْأَحْكَامَ مُعَلَّلَةٌ. وَالْحَقُّ هُوَ الثَّانِي، لِاسْتِقْرَارِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَحْكَامِ التَّعْلِيلُ، فَالْمُطَالَبَةُ بِكَوْنِ الْحُكْمِ مُعَلَّلًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَالْمُطَالَبَةِ بِكَوْنِ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ حُجَّةً، فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ هِيَ الْمُسْقِطَةُ لِهَذَا الِاعْتِرَاضِ. لَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَنَّ الْمُسْقِطَةَ لَهُ الْكِفَايَةُ عَنْهُ بِتَصْحِيحِ الْعِلَّةِ الْمُعَيِّنَةِ، فَمَتَى صَحَّتْ لَزِمَ كَوْنُ الْحُكْمِ مُعَلَّلًا ضَرُورَةَ لُزُومِ الْمُطْلَقِ الْمُقَيَّدَ، لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُصَحِّحُ لِكَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً مَثَلًا، الْمُنَاسَبَةُ وَالْجَرَيَانُ، لَا بِالذَّاتِ، وَلَكِنْ بِالشَّرْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ وَالْجَرَيَانِ كَوْنُ الْمُنَاسَبَةِ عِلَّةً، فَلَا يَلْزَمُ حِينَئِذٍ كَوْنُ الْحُكْمِ مُعَلَّلًا لَوْلَا قِيَامُ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ بِالْأَوْصَافِ الْمُقَارِنَةِ لَهَا بِشَرْطِهَا.
الثَّانِي - مَنْعُ مَا يَدَّعِيهِ الْخَصْمُ أَنَّهُ عِلَّةُ كَوْنِهِ عِلَّةً، بَعْدَ تَسْلِيمِ التَّعْلِيلِ، وَيُسَمَّى الْمُطَالَبَةُ أَيْ بِتَصْحِيحِ الْعِلَّةِ. وَإِذَا أُطْلِقَتْ الْمُطَالَبَةُ فِي عُرْفِ الْجَدَلِيِّينَ فَمُرَادُهُمْ هَذَا، وَحَيْثُ أُرِيدَ غَيْرُهَا ذُكِرَتْ مُقَيَّدَةً، فَيُقَالُ: الْمُطَالَبَةُ بِوُجُودِ الْوَصْفِ أَوْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ، وَنَحْوُهُ. وَوَجْهُ الِاعْتِرَاضِ بِهِ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِمَا لَا يَصْلُحُ كَوْنُهُ عِلَّةً، فَيَجْعَلُهُ كَالتَّمَسُّكِ بِالطَّرْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute