أَوْ بِالنَّفْيِ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَهِيَ عَائِدَةٌ إلَى مَحْضِ الْفِقْهِ، وَبِهَا يَتَبَيَّنُ الْمُحَقِّقُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: هُوَ أَعْظَمُ الْأَسْئِلَةِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ، لِعُمُومِ وُرُودِهِ عَلَى كُلِّ وَصْفٍ، وَاتِّسَاعِ طُرُقِ إثْبَاتِهِ وَتَشَعُّبِهَا. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ. وَالْمُخْتَارُ قَبُولُهُ، فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ جَامِعٍ هُوَ عِلَّةٌ. وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِأَنَّهُ لَوْ قُبِلَ لَاسْتُدِلَّ عَلَيْهِ بِمَا يُمْكِنُ مَنْعُ الْمُنَاسَبَةِ فِيهِ، وَيَتَسَلْسَلُ وَبِأَنَّا لَوْ لَمْ نَجِدْ إلَّا هَذِهِ الْعِلَّةَ فَعَلَى الْمُعْتَرِضِ الْقَدْحُ فِيهَا وَبِأَنَّ الِاقْتِرَانَ دَلِيلُ الْعِلِّيَّةِ. وَأُجِيبَ عَنْ (الْأَوَّلِ) بِأَنَّهُ إذَا ذُكِرَ مَا يُفِيدُ ظَنَّ التَّعْلِيلِ وَجَبَ التَّسْلِيمُ وَلَا يَتَسَلْسَلُ. وَعَنْ (الثَّانِي) الطَّعْنُ بِالِاسْتِقْرَاءِ. وَعَنْ (الثَّالِثِ) مَنْعُ الِاكْتِفَاءِ بِالِاقْتِرَانِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ. تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ: أَطْلَقَ الْجَدَلِيُّونَ هَذَا الْمَنْعَ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ - كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ - بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْعِلَّةُ حُكْمًا شَرْعِيًّا، فَإِنْ كَانَتْ وَجَوَّزْنَا بِهَا، فَمَنَعَ الْمُعْتَرِضُ وُجُودَ الْحُكْمِ الْمَنْصُوبِ عِلَّةً اتَّجَهَ فِي قَبُولِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ إذَا مَنَعَهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُعْتَرِضَ لَا يُمَكَّنُ مِنْ تَقْرِيرِ الْعِلَّةِ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى نَقِيضِ مَا ادَّعَاهُ الْمُسْتَدِلُّ، وَلَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْمَنْعِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ صِيغَةَ الْمُطَالَبَةِ بِتَصْحِيحِ الْوَصْفِ لَا تَتَضَمَّنُ إنْكَارًا وَلَا تَسْلِيمًا، بِخِلَافِ الْمَنْعِ فَإِنَّ الْمَانِعَ جَازِمٌ يَنْفِي مَا ادَّعَاهُ الْمُسْتَدِلُّ، فَكَانَ لِتَقْرِيرِهِ وَجْهٌ، نَعَمْ، لَوْ أَوْرَدَ هَذَا السُّؤَالَ بِصِيغَةِ الْمَنْعِ كَقَوْلِهِ: لَا أُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ عِلَّةٌ، جَاءَ الْخِلَافُ، فَيُمْكِنُ مِنْ التَّقْرِيرِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ أَمْرٌ اصْطِلَاحِيٌّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِقْهٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْمَنْعَ وَالْمُطَالَبَةَ مُتَسَاوِيَانِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لِكُلِّ مِنْهُمَا الْتِمَاسٌ، فَمَا جَرَى فِي أَحَدِهِمَا جَرَى فِي الْآخَرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute