قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِصُورَةِ الْقِيَاسِ، وَسُكُوتُهُ عَنْهُ اقْتِصَارٌ عَلَى بَعْضِ الْعِلَّةِ. نَعَمْ، لَوْ ضَمَّ إلَى تَعْلِيلِهِ لَفْظًا يُشْعِرُ بِالْإِخَالَةِ كَفَاهُ ذَلِكَ، فَإِنْ وَجَّهَ السَّائِلُ طَلَبًا كَانَ قَاصِرًا عَنْ دَرْكِ لَفْظِ التَّعْلِيلِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: الْخِلَافُ فِي عَدِّ هَذَا مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ: هَلْ يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ بَيَانُ الْإِخَالَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهَا؟ فَالْقَاضِي أَلْزَمَهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً فَسَقَطَ هَذَا السُّؤَالُ، وَغَيْرُ الْقَاضِي قَنَعَ مِنْهُ بِذِكْرِ الْمَعْنَى الْمُخْتَلِّ، فَإِنْ لَمْ يُقَرِّرْهَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ. وَالْحَقُّ مَعَ الْقَاضِي، بَلْ لَوْ شَرَعَ الْخَصْمُ فِي سُؤَالِهَا قَبْلَ بَيَانِهَا كَانَ جَاهِلًا بِحَقِّهِ، إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ طَرَدَ قَوْلَهُ فَأَلْزَمَ الْمُسْتَدِلَّ دَفْعَ الِاعْتِرَاضَاتِ الْمُتَوَقَّعَةِ، وَنَحْنُ لَا نَخْتَارُ ذَلِكَ، كَمَا لَا يَلْزَمُ الْمُدَّعِي فِي الْخُصُومَةِ إذَا عَدَّلَ بَيِّنَتَهُ أَنْ تَتَعَرَّضَ لِنَفْيِ الْقَوَادِحِ الْمُتَوَقَّعَةِ إلَّا إذَا أَتَى الْخَصْمُ بِقَادِحٍ كَانَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَدْفَعَهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. (انْتَهَى) . وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً تَتَضَمَّنُ تَسْلِيمَ تَحْقِيقِ الْوَصْفِ وَمُنَاسَبَتِهِ، وَمَقْصُودُهُ اسْتِنْطَاقُ الْمَسْئُولِ فِي تَصْحِيحِ شَهَادَةِ الِاعْتِبَارِ بِمَا يَعْتَمِدُهُ مِنْ الْمَسَالِكِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي إثْبَاتِ الْعِلَّةِ، لِيَعْتَرِضَ عَلَى كُلِّ مَسْلَكٍ مِنْهَا بِمَا يَلِيقُ بِهِ. وَقَدْ مَنَعَ قَوْمٌ صِحَّةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُطَالَبَةِ وَالْمُمَانَعَةِ، لِمَا فِيهَا مِنْ مَنْعِ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمُمَانَعَةِ ضِمْنًا. وَفِيهِ بُعْدٌ، إذْ الْمُعْتَرِضُ مُطَالَبٌ هَادِمٌ غَيْرُ مُعْتَرِضٍ لِلْحُكْمِ بِإِثْبَاتٍ أَوْ نَفْيٍ. وَلِلسَّائِلِ أَنْ يَجْمَعَ الْمُنُوعَ فَيَمْنَعُ حُكْمَ الْأَصْلِ وَيَمْنَعُ الْوَصْفَ فِي الْفَرْعِ وَفِي الْأَصْلِ. وَيَمْنَعُ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً أَوْ يَعْكِسُهُ فَيَقُولُ: لَا أُسَلِّمُ الْوَصْفَ فِي الْفَرْعِ وَلَا فِي الْأَصْلِ وَلَا الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ. وَلِلْمَسْئُولِ دَفْعُهَا بِإِبْدَاءِ مَوْضِعٍ مُسَلَّمٍ فِي الْأَصْلِ أَوْ بِإِظْهَارِ الْمُنَاسَبَةِ عَلَى شَرْطِهَا، وَلَهُ النَّقْلُ إلَى الْأَصْلِ إذَا مَنَعَ، أَوْ افْتِتَاحُ الْكَلَامِ فِيهِ ابْتِدَاءً إذَا تَوَقَّعَ الْمَنْعَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute