التَّنْبِيهُ الثَّانِي
قَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيُّ: حَقُّ السَّائِلِ أَنْ يَكُونَ مُنْكِرًا غَيْرَ مُدَّعٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدُلَّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمُنْكِرِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ شَرْعًا، وَعَلَى مِثْلِهِ بُنِيَتْ الْمُنَاظَرَةُ صَوْنًا لِلْمَقَامِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ (قَالَ) : وَيَجُوزُ لِلْمُسْتَدِلِّ الِانْتِقَالُ مِنْ حُكْمٍ إلَى آخَرَ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى، فَإِنَّ الْعِلَّةَ كَافِيَةٌ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ. نَعَمْ، الِانْتِقَالُ مِنْ عِلَّةٍ إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى فَسْخٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ النَّظَرِ. (قَالَ) : وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَسْئُولِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى النَّقْضِ، فَإِنَّ بِهِ يَنْتَقِلُ إلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى خَارِجَةٍ عَنْ مَقْصُودِ السُّؤَالِ. وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ النَّقْضُ ثَبَتَ مَطْلُوبُهُ، فَالِاخْتِيَارُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ مَصْلَحَةِ الْمُنَاظَرَةِ. وَأَمَّا الْمَنْعُ فِي الْفَرْعِ فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ إلَّا سُؤَالٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَنْعُ وُجُودِ عِلَّةِ الْأَصْلِ فِيهِ، وَيُسَمَّى (مَنْعَ الْوَصْفِ) ، فَإِنَّ التَّعْلِيلَ قَدْ يَقَعُ بِوَصْفٍ مُخْتَلِفٍ فِيهِ، كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِيدَاعِ مِنْ الصَّبِيِّ: إنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ، فَيُمْنَعُ، وَقَالَ: لَيْسَ بِمُسَلَّطٍ، إذْ الْإِيدَاعُ لَيْسَ بِتَسْلِيطٍ.
قَالَ إلْكِيَا: وَهَذَا غَيْرُ مَعْنَى الِاعْتِبَارِ، لِأَنَّ مَعْنَى الِاعْتِبَارِ مُطَالَبَةٌ تَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ لَا إلَى الْفَرْعِ (قَالَ) : وَتَبْطُلُ بِهِ الْمُطَالَبَةُ بِالْإِخَالَةِ وَإِيضَاحُ وَجْهِ الدَّلَالَةِ، وَهُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَنْعِ. وَقِيلَ: إنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ وُجُودِ التَّعْلِيلِ، وَمَا يُفْرَضُ قَبْلَهُ التَّعْلِيلُ فَلَيْسَ بِاعْتِرَاضٍ عَلَيْهِ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَمِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الصَّحِيحَةِ: طَلَبُ الْإِخَالَةِ، وَهُوَ مِنْ أَهَمِّ الْأَسْئِلَةِ وَأَوْقَعِهَا فِي الْأَقْيِسَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ، فَمَنْ ادَّعَى مَعْنًى فَعَلَيْهِ تَبْيِينُ مُنَاسَبَتِهِ لِلْحُكْمِ وَاقْتِضَائِهِ لَهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ انْقَطَعَ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ هَذَا مِنْ الْأَسْئِلَةِ، بَلْ حَقٌّ عَلَى الْمَسْئُولِ أَنْ يَبْدَأَ بِإِظْهَارِ الْإِخَالَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute