مَحْضٌ، وَهَلْ يَقْتَضِي إبْطَالَ الدَّلِيلِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ - حَكَاهُمَا الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي شَرْحِ التَّرْتِيبِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ يَتِمُّ دَلِيلُ الْمَسْئُولِ بِالْمُعَارَضَةِ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَحِيحًا فَمَا يُعَارِضُهُ بِهِ خَصْمُهُ يَسْتَحِيلُ دَلِيلًا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَرَى الْمُسْتَدِلُّ فَسَادَهُ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بَانَ عَجْزُهُ.
وَالثَّانِي - أَنَّهُ مَا لَمْ يُفْسِدْ الْمَسْئُولُ تِلْكَ الْمُعَارَضَةَ لَا يَتِمُّ دَلِيلُهُ - لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْمُعَارَضَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَدَلِيلُ الْمَسْئُولِ يُشْبِهُهُ، غَيْرَ أَنَّ السَّائِلَ عَجَزَ عَنْ إيرَادِ مَا يُفْسِدُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ بِنَاءَ الْخِلَافِ فِي قَبُولِ هَذَا السُّؤَالِ وَرَدِّهِ عَلَى تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ. فَإِنْ جَوَّزْنَا لَمْ يُقْبَلْ، وَإِلَّا قُبِلَ: ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " الْبُرْهَانِ " وَإِلْكِيَا الطَّبَرِيُّ، وَنَازَعَهُ شَارِحُهُ ابْنُ الْمُنِيرِ فَقَالَ: نَحْنُ وَإِنْ فَرَضْنَا جَوَازَ اجْتِمَاعِ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ فَإِنَّهُ يَتَّجِهُ ذَلِكَ إذَا شَهِدَتْ الْأُصُولُ بِالِاسْتِقْلَالِ وَالتَّعْدَادِ. وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا شَهِدَ لِكُلِّ عِلَّةٍ أَصْلٌ انْفَرَدَتْ فِيهِ ثُمَّ اجْتَمَعَتْ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، كَاجْتِمَاعِ الْحَيْضِ وَالْإِحْرَامِ، فَإِنَّ اسْتِقْلَالَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ عِلَّتِهِ حَيْثُ يَنْفَرِدُ ثُمَّ يَقَعُ الْآخَرُ حَيْثُ يَجْتَمِعُ، فَقَائِلٌ يَقُولُ: أَجْمَعْنَا عَلَى الْحُكْمِ الْوَاحِدِ، وَآخَرُ يَقُولُ: لِكُلِّ حُكْمٍ عِلَّةٌ فَاجْتَمَعَ عِلَّتَانِ وَحُكْمَانِ. أَمَّا إذَا فَرَضْنَا إبْدَاءَ السُّؤَالِ عِلَّةً، فَعَارَضَهُ السَّائِلُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى فَفَرْضُهُمَا عِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ يَسْتَدْعِي انْفِرَادَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي أَصْلٍ سِوَى مَحَلِّ الِاجْتِمَاعِ، فَإِذَا لَمْ يَظْفَرْ الِانْفِرَادُ فَالْمُعَارَضَةُ وَارِدَةٌ، بِنَاءً عَلَى خَلَلِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ، لِأَنَّ الْمَسْئُولَ إنْ قَالَ: الْبَاعِثُ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي أَبْدَيْتُهُ قَالَ السَّائِلُ: الْبَاعِثُ مَعْنَاهُ، أَوْ الْأَمْرَانِ مَعًا، بِحَيْثُ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا جُزْءَ عِلَّةٍ. فَهَذِهِ احْتِمَالَاتٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute