لَا بُدَّ مِنْ تَرْتِيبِ الْأَسْئِلَةِ إذَا لَزِمَ مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ مُنِعَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ. فَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ كَانَ التَّرْتِيبُ مُسْتَحْسَنًا لَا لَازِمًا. فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا:
قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: التَّرْتِيبُ الْمُسْتَحْسَنُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمُطَالَبَاتِ أَوَّلًا، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُثْبِتْ أَرْكَانَ الْقِيَاسِ لَمْ يَدْخُلْ فِي جُمْلَةِ الْأَدِلَّةِ. ثُمَّ بِالْقَوَادِحِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى صُورَةِ الْأَدِلَّةِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا. ثُمَّ بِالْمُعَارَضَةِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ وُجُوبُ الْعَمَلِ. ثُمَّ إذَا بَدَأَ بِالْمُنُوعِ فَالْأَوْلَى يَمْنَعُ وُجُودَ الْوَصْفِ فِي الْفَرْعِ، لِأَنَّهُ دَلِيلُ الدَّعْوَى، ثُمَّ يَمْنَعُ ظُهُورَهُ وَانْضِبَاطَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ شَرْطُ كَوْنِهِ دَلِيلًا، ثُمَّ يَمْنَعُ كَوْنَهُ عِلَّةً فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّهُ دَلِيلُ الدَّلِيلِ. فَإِذَا نَقَضَ الْمُنُوعَ شَرَعَ فِي الْقَوَادِحِ، فَيَبْدَأُ بِالْقَوْلِ الْمُوجِبِ لِوُضُوحِ مَأْخَذِهِ، ثُمَّ بِفَسَادِ الْوَضْعِ وَاخْتِصَاصِهِ بِالشَّرْعِ، ثُمَّ بِالْقَدْحِ فِي الْمُنَاسَبَةِ كَأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِهِ فَوَاتُ شَرْطِ كَوْنِهِ عِلَّةً، ثُمَّ بِالْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَطْرِيقِ الْإِكْمَالِ لِشَهَادَةِ الْأَصْلِ، ثُمَّ بِالنَّقْضِ وَالْكَسْرِ لِأَنَّهُ مُعَارَضَةٌ لِدَلِيلِ الِاعْتِبَارِ بِدَلِيلِ الْإِهْدَارِ، ثُمَّ بِالْمُعَارَضَةِ فِي الْفَرْعِ. وَلَيْسَ فِي هَذَا التَّرْتِيبِ شَيْءٌ لَازِمٌ سِوَى تَأْخِيرِ الْمُعَارَضَةِ. وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْقُدَمَاءِ، كَمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ السُّهَيْلِيُّ فِي أَدَبِ الْجَدَلِ [إلَى أَنَّهُ] يَبْدَأُ بِالْمَنْعِ مِنْ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَمْنُوعًا لَمْ يَجِبْ عَلَى السَّائِلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ مَمْنُوعًا أَوْ مُسَلَّمًا، وَلَا كَوْنِ الْأَصْلِ مُعَلَّلًا بِتِلْكَ الْعِلَّةِ أَوْ بِغَيْرِهَا، ثُمَّ يُطَالِبُهُ بِإِثْبَاتِ الْوَصْفِ فِي الْفَرْعِ بِأَنَّ الْأَصْلَ مُعَلَّلٌ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ، ثُمَّ بِاطِّرَادِ الْعِلَّةِ، ثُمَّ بِتَأْثِيرِهَا، ثُمَّ بِكَوْنِهَا مَوْضُوعَةً وَمَحَلُّهَا غَيْرُ فَاسِدِ الْوَضْعِ، ثُمَّ بِالْمُحَامَاةِ عَنْ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ وَالنَّصِّ، ثُمَّ بِالْقَلْبِ، ثُمَّ بِالْمُعَارَضَةِ. (قَالَ) هَذَا هُوَ التَّرْتِيبُ الصَّحِيحُ. وَكَذَا جَعَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمُعَارَضَةَ آخِرَ الْأَسْئِلَةِ، لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ الدَّلِيلَ خَالِيًا عَنْ الْقَوَادِحِ كُلِّهَا فَإِذْ ذَاكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute