وَقَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى ": التَّامُّ يَصْلُحُ لِلْقَطْعِيَّاتِ وَغَيْرُ التَّامِّ لَا يُصْلَحُ إلَّا لِلْفِقْهِيَّاتِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا وُجِدَ الْأَكْثَرُ عَلَى نَمَطٍ، غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْآخَرَ كَذَلِكَ. .
الْأَصْلُ فِي الْمَنَافِعِ الْإِذْنُ، وَفِي الْمَضَارِّ الْمَنْعُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ. وَهَذَا عِنْدَنَا مِنْ الْأَدِلَّةِ فِيمَا بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ. أَعْنِي أَنَّ الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ ذَلِكَ فِيهِمَا إلَّا مَا دَلَّ دَلِيلٌ خَاصٌّ عَلَى خِلَافِهِمَا. أَمَّا قَبْلَهُ، فَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ: " لَا حُكْمَ لِلْأَشْيَاءِ قَبْلَ الشَّرْعِ "، وَلَمْ يَحْكُمُوا هُنَا قَوْلًا بِالْوَقْفِ كَمَا هُنَاكَ، لِأَنَّ الشَّرْعَ نَاقِلٌ. وَقَدْ خَلَطَ بَعْضُهُمْ الصُّورَتَيْنِ وَأَجْرَى الْخِلَافَ هُنَا أَيْضًا. وَكَأَنَّهُ اسْتَصْحَبَ مَا قَبْلَ السَّمْعِ إلَى مَا بَعْدَهُ وَرَأَى أَنَّ مَا لَمْ يُشْكِلُ أَمْرُهُ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ خَاصٌّ يُشْبِهُ الْحَادِثَةَ قَبْلَ الشَّرْعِ، وَسَبَقَ هُنَاكَ مَا فِيهِ. ثُمَّ رَأَيْت الْقَاضِيَ عَبْدَ الْوَهَّابِ حَقَّقَ الْمَسْأَلَةَ تَحْقِيقًا فَقَالَ، بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْأَفْعَالِ قَبْلَ الشَّرْعِ: " مَسْأَلَةٌ: زَعَمَ قَوْمٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ قَرَّرَ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ عَلَى أَنَّهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الدَّلِيلُ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي حُكْمِ شَيْءٍ فِي الشَّرْعِ " هَلْ هُوَ عَلَى الْإِبَاحَةِ أَوْ الْمَنْعِ؟ " حَكَمَ بِأَنَّهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ، لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ قَرَّرَ ذَلِكَ، فَصَارَ كَالْعَقْلِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْإِبَاحَةِ. وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا، وَأَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute