قَالَ: وَالْبَاقُونَ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حُكْمَ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا بِقِيَامِ دَلِيلٍ يَخْتَصُّهُ أَوْ يَخْتَصُّ نَوْعَهُ. وَمَنْ ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: ٣٢] وَقَوْلُهُ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} [الأنعام: ١٤٥] فَجَعَلَ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةَ. وَالتَّحْرِيمَ مُسْتَثْنَى. قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل: ١١٦] فَأَخْبَرَ أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ لَيْسَ إلَيْنَا، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَنَّ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَقَالَ: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١١٩] وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى إبْطَالِ الْقَوْلِ بِأَنَّ حُكْمَ الْأَشْيَاءِ فِي السَّمْعِ الْإِبَاحَةُ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ أَدِلَّتِهِمْ، فَهِيَ فِيمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ. وَالْكَلَامُ فِي إبَاحَةِ الْجُمْلَةِ بِقَوْلِهِ: {قُلْ لا أَجِدُ} [الأنعام: ١٤٥] . . . يَصْلُحُ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَأْكُولَاتِ الْإِبَاحَةُ، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعُ الْإِبَاحَةُ الْمُطْلَقَةُ.
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَمَا سَكَتَ فَهُوَ مِمَّا عُفِيَ عَنْهُ» يُرِيدُ: مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ الَّذِي كَانَ الْخِطَابُ مُتَعَلِّقًا بِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ» فَشَرَّك بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَجْعَلْ الْأَصْلَ أَحَدَهُمَا. وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ لِلْقَائِلَيْنِ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute