للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ، وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ. وَأَوْرَدَ أَنَّهَا تَأْتِي لِغَيْرِ الِانْتِفَاعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧] وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ بِالظُّهُورِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: ٤] ، {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: ٣٢] لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامُ إنْكَارٍ فَيَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ تَحْرِيمِ مُطْلَقِ الزِّينَةِ، وَيَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِ تَحْرِيمِ مُسَمَّى الزِّينَةِ أَنْ لَا يَحْرُمَ شَيْءٌ مِنْ آحَادِهَا، فَإِذَا انْتَفَتْ الْحُرْمَةُ بَقِيَتْ الْإِبَاحَةُ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

وَقَوْلُهُ: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ} [الجاثية: ١٢] إلَى قَوْلِهِ {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: ١٣] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ [لَمْ] يَحْرُمْ عَلَى السَّائِلِ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ، وَأَنَّ التَّحْرِيمَ عَارِضٌ. وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ السَّمْنِ وَالْجُبْنِ وَالْفِرَاءِ فَقَالَ: الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عُفِيَ عَنْهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَلَا يَخْفَى أَجْوِبَةُ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ عَنْ الْقَاضِي. عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي هَذَا النَّوْعِ أَنَّ الشَّرْعَ أَذِنَ فِيهِ، بَلْ عُفِيَ، وَلَا يُوصَفُ بِإِذْنٍ وَلَا مَنْعٍ. وَلَيْسَ فِي الْآيَاتِ الْمُسْتَدَلِّ بِهَا إلَّا أَنَّهَا خُلِقَتْ لَنَا وَسُخِّرَتْ لَنَا، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا أُبِيحَتْ لَنَا، إذْ يَجُوزُ أَنْ يُخْلَقَ لَنَا وَلَا يُبَاحُ، بَلْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى إذْنٍ مِنْ جِهَتِهِ، كَذَا قَالَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي كَلَامٍ لَهُ، قَالَ: فَصَارَ هَذَا بِمَثَابَةِ قَوْلِ السُّلْطَانِ لِجُنْدِهِ: هَذِهِ الْأَمْوَالُ الَّتِي أَجْمَعُهَا لَكُمْ. فَلَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>