الْبَقَاءِ. قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي ": وَهُوَ آخِرُ مَدَارِ الْفَتْوَى، فَإِنَّ الْمُفْتِيَ إذَا سُئِلَ عَنْ حَادِثَةٍ يَطْلُبُ حُكْمَهَا فِي الْكِتَابِ، ثُمَّ فِي السُّنَّةِ، ثُمَّ فِي الْإِجْمَاعِ، ثُمَّ فِي الْقِيَاسِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَيَأْخُذُ حُكْمَهَا مِنْ اسْتِصْحَابِ الْحَالِ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، فَإِنْ كَانَ التَّرَدُّدُ فِي زَوَالِهِ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي ثُبُوتِهِ فَالْأَصْلُ عَدَمُ ثُبُوتِهِ. انْتَهَى. وَهُوَ حُجَّةٌ يَفْزَعُ إلَيْهَا الْمُجْتَهِدُ إذَا لَمْ يَجِدْ فِي الْحَادِثَةِ حُجَّةً خَاصَّةً. وَبِهِ قَالَ الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي النَّفْيِ أَوْ الْإِثْبَاتِ. وَالنَّفْيُ لَهُ حَالَتَانِ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَقْلِيًّا أَوْ شَرْعِيًّا، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْإِثْبَاتِ إلَّا حَالَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ النَّفْيُ، لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُثْبِتُ حُكْمًا وُجُودِيًّا عِنْدَنَا. وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَنُقِلَ عَنْ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ، كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِأَنَّ الثُّبُوتَ فِي الزَّمَانِ يَفْتَقِرُ إلَى الدَّلِيلِ فَكَذَلِكَ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَأَنْ لَا يَكُونَ، وَيُخَالِفُ الْحِسِّيَّاتِ، لِأَنَّ اللَّهَ أَجْرَى الْعَادَةَ فِيهَا بِذَلِكَ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ فِي الشَّرْعِيَّاتِ فَلَا تَلْحَقُ بِهَا. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ تَخْصِيصَ النَّفْيِ بِالْأَمْرِ الْوُجُودِيِّ وَمِنْهُمْ مَنْ نَقَلَ الْخِلَافَ مُطْلَقًا. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَهُوَ يَقْتَضِي الْخِلَافَ فِي الْوُجُودِيِّ وَالْعَدَمِيِّ جَمِيعًا لَكِنَّهُ بَعِيدٌ، إذْ تَفَارِيعُهُمْ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِصْحَابَ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ حُجَّةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute