للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْت: وَالْمَنْقُولُ فِي كُتُبِ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حُجَّةً عَلَى الْغَيْرِ، وَلَكِنْ يَصْلُحُ لِلْعُذْرِ وَالدَّفْعِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ " مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِإِبْقَاءِ مَا كَانَ وَلَا لِإِثْبَاتِ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّهُ حُجَّةٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فِي نَفْسِهِ لِإِبْقَاءِ مَا كَانَ، حَتَّى لَا يُورَثَ مَالُهُ، وَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِإِثْبَاتِ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ، كَحَيَاةِ الْمَفْقُودِ لَمَّا كَانَ الظَّاهِرُ بَقَاءَهَا صَلُحَتْ حُجَّةً لِإِبْقَاءِ مَا كَانَ حَتَّى لَا يَرِثَ مِنْ الْأَقَارِبِ، وَالثَّابِتُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ. وَغَيْرُ الثَّابِتِ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ قَالَ: وَلَكِنَّ مَشَايِخَنَا قَالُوا: إنَّ هَذَا الْقِسْمَ يُصْبِحُ حُجَّةً عَلَى الْخَصْمِ فِي مَوْضِعِ النَّظَرِ، وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِالْقِيَاسِ، كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ، لِأَنَّ الْحُكْمَ مَتَى ثَبَتَ شَرْعًا فَالظَّاهِرُ دَوَامُهُ وَلَا يَزُولُ إلَّا بِدَلِيلٍ يُرَجَّحُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ أَوْجَبَ فِي الْأَوَّلِ شُبْهَةً، وَلِهَذَا قَالُوا: لَا يُنْقَضُ الِاجْتِهَادُ بِالِاجْتِهَادِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَابِتٌ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ احْتِمَالِهِ النَّسْخَ إذْ ذَاكَ، وَهَذَا كَمَنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَإِنْ يَبْنِي عَلَى الطَّهَارَةِ مَعَ احْتِمَالِ الْحَدَثِ، وَكَمَنْ شَكَّ فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَعِتْقِ أَمَتِهِ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا مَعَ الِاحْتِمَالِ، لِأَنَّ الثَّابِتَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>