للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلرَّفْعِ يُشْبِهُ قَوْلَ أَصْحَابِنَا فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ عَمِلُوا فِيهَا بِالْأَصْلَيْنِ، كَوُجُوبِ الْفِطْرَةِ عَنْ الْعَبْدِ الْمُنْقَطِعِ الْخَبَرِ، وَعَدَمِ جَوَازِ عِتْقِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَكَمَا إذَا ظَهَرَ لِبِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ لَبَنٌ فَارْتَضَعَ مِنْهُ صَغِيرٌ حَرَّمَ وَلَا يَحْكُمُ بِبُلُوغِهَا، لِأَنَّ احْتِمَالَ الْبُلُوغِ قَائِمٌ وَالرَّضَاعُ كَالنَّسَبِ يَكْفِي فِيهِ الِاحْتِمَالُ. وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ " أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى الْمُجْتَهِدِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ إلَّا أَقْصَى الدَّاخِلِ فِي مَقْدُورِهِ عَلَى الْعَادَةِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ دَلِيلًا آخَرَ يَبْقَى الْوُجُوبُ وَلَا يَسْمَعُ فِيهِ إذَا انْتَصَبَ مَسْئُولًا فِي مَجْلِسِ الْمُنَاظَرَةِ، فَإِنَّ الْمُجْتَهِدِينَ إذَا تَنَاظَرُوا وَتَذَكَّرُوا طُرُقَ الِاجْتِهَادِ فِيمَا يُغْنِي الْمُجِيبَ قَوْلُهُ: لَمْ أَجِدْ دَلِيلًا عَلَى الْوُجُوبِ، وَهَلْ هُوَ إلَّا مُدَّعٍ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ عُهْدَةُ الطَّلَبِ بِالدَّلَالَةِ.

الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلرَّفْعِ. وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا سَبَقَ. قَالَ إلْكِيَا: وَيُعَبِّرُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ اسْتِصْحَابَ الْحَالِ صَالِحٌ لِإِبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، إحَالَةً عَلَى عَدَمِ الدَّلِيلِ، لَا لِإِثْبَاتِ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ. وَبَنَوْا عَلَى هَذَا مَسَائِلَ: (مِنْهَا) مَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لِلْأَبِ الْمُدَّعَى، وَالْأَبُ مَيِّتٌ، فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ لَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَالْبَقَاءُ بَعْدَ الثُّبُوتِ إنَّمَا يَكُونُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فَيَثْبُت دَفْعًا عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمْ بِحَقِّ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ أَحَدَ الْمُدَّعِيَيْنِ، فَأَمَّا لِإِيجَابِ حُكْمٍ مُبْتَدَأٍ فَلَا، وَمِلْكُ الْوَارِثِ لَمْ يَكُنْ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا: الْمَفْقُودُ لَا يَرِثُ أَبَاهُ، وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ ذَلِكَ الْمِلْكَ بِعَيْنِهِ، لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ الْأَوَّلِ قَالَ: وَنَحْنُ نُسَلِّمُ لَهُمْ أَنَّ دَلَالَةَ الثُّبُوتِ غَيْرُ دَلَالَةِ الْبَقَاءِ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا نَصٌّ وَالْآخَرَ ظَاهِرٌ، وَلَكِنْ لَا نَقُولُ: الْبَقَاءُ لِعَدَمِ الْمُزِيلِ، بَلْ لِبَقَاءِ الدَّلِيلِ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ. وَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ. انْتَهَى.

الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ يَجُوزُ التَّرْجِيحُ بِهِ لَا غَيْرَ. نَقَلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>