الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ: إنَّهُ الَّذِي يَصِحُّ عَنْهُ لَا أَنَّهُ يَحْتَجُّ بِهِ، قُلْت: وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالنِّسَاءُ مُحَرَّمَاتُ الْفُرُوجِ، فَلَا يَحْلُلْنَ إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: نِكَاحٌ، أَوْ مِلْكُ يَمِينٍ، وَالنِّكَاحُ بِبَيَانِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ ": وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ مِنْ الشَّافِعِيِّ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ. وَقِيلَ: إنَّهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِهِ وَهُوَ مِنْ أَقْوَاهَا، قَالَ: وَأَجْمَعُ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ صَالِحٌ لِلتَّرْجِيحِ، وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِصْلَاحِهِ لِلدَّلِيلِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّرْجِيحَ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ. هَذَا كَلَامُ الرُّويَانِيِّ، وَسَيَأْتِي أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ مِنْ النَّوْعِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا: اسْتَقْرَأْت الِاسْتِصْحَابَ الَّذِي يَحْكُمُ بِهِ الْأَصْحَابُ فَوَجَدْت صُوَرًا كَثِيرَةً وَإِنَّمَا يُسْتَصْحَبُ فِيهَا أَمْرٌ وُجُودِيٌّ، كَمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ وَعَكْسِهِ. وَأَمَّا اسْتِصْحَابُ عَدَمِ الْحُكْمِ فِيهِ فَلَمْ أَعْرِفْهُ، وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأُمُورِ الْعَدَمِيَّةِ لَا عِلْمَ فِيهَا. وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ الْحُكْمِ بِخِلَافِهَا حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ. الْمَذْهَبُ السَّادِسُ: أَنَّ الْمُسْتَصْحَبَ لِلْحَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ غَرَضُهُ سِوَى نَفْيِ مَا نَفَاهُ صَحَّ اسْتِصْحَابُهُ، كَمَنْ اسْتَدَلَّ عَلَى إبْطَالِ بَيْعِ الْغَائِبِ، وَنِكَاحِ الْمُحْرِمِ، وَالشِّغَارِ، بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا عَقْدَ، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلَالَةِ. وَإِنْ كَانَ غَرَضُهُ إثْبَاتَ خِلَافِ قَوْلِ خَصْمِهِ مِنْ وَجْهٍ يُمْكِنُ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ فِي نَفْيِ مَا أَثْبَتَهُ فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِدْلَال بِهِ كَمَنْ يَقُولُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَرَامِ: إنَّهُ يَمِينٌ تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لَمْ يَسْتَدِلَّ عَلَى إبْطَالِ قَوْلِ خُصُومِهِ بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا طَلَاقَ وَلَا ظِهَارَ وَلَا لِعَانَ، فَيَتَعَارَضُ بِالْأَصْلِ أَنْ لَا يَمِينَ وَلَا كَفَّارَةَ، فَيَتَعَارَضُ الِاسْتِصْحَابَانِ وَيَسْقُطَانِ. حَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا. إذَا عُرِفَ هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَنْقِيحِ مَوْضِعِ الْخِلَافِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يُطْلِقُهُ وَيَشْتَبِهُ عَلَيْهِمْ مَوْضِعُ النِّزَاعِ بِغَيْرِهِ فَنَقُولُ: لِلِاسْتِصْحَابِ صُوَرٌ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute