إحْدَاهَا: اسْتِصْحَابٌ دَلَّ الْعَقْلُ أَوْ الشَّرْعُ عَلَى ثُبُوتِهِ وَدَوَامِهِ: كَالْمِلْكِ عِنْدَ جَرَيَان الْقَوْلِ الْمُقْتَضِي لَهُ، وَشَغْلِ الذِّمَّةِ عِنْدَ جَرَيَانِ إتْلَافٍ أَوْ الْتِزَامٍ، وَدَوَامِ الْحِلِّ فِي الْمَنْكُوحَةِ بَعْدَ تَقْرِيرِ النِّكَاحِ. وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ، إلَى أَنْ يَثْبُتَ مُعَارِضٌ لَهُ. وَمِنْ صُوَرِهِ تَكَرُّرُ الْحُكْمِ بِتَكَرُّرِ السَّبَبِ. .
الثَّانِيَةُ: اسْتِصْحَابُ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ الْمَعْلُومِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، كَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ التَّكَالِيفِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى تَغْيِيرِهِ، كَنَفْيِ صَلَاةٍ سَادِسَةٍ. قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ: وَهَذَا حُجَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ، أَيْ مِنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ. وَمِنْ هَذَا يَسْتَشْكِلُ الْقَوْلُ بِهَذَا مِنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ هُنَاكَ حُكْمًا. وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ فِي الْأُصُولِ: إنَّهُ صَحِيحٌ لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَنَا أَنَّ حُجَّةَ الْعَقْلِ دَلِيلٌ، فَإِذَا لَمْ نَجِدْ سَمْعًا عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ لَا يُهْمِلُنَا، وَأَنَّهُ أَرَادَ بِنَا مَا فِي الْعَقْلِ فَصِرْنَا إلَيْهِ. انْتَهَى. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: إنَّ الْعَقْلَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّرْعُ لَهُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ، فَلَا يَدُلُّ إذًا إلَّا عَلَى نَفْيِ الْأَحْكَامِ. وَقَوْلنَا لِمَنْ يُوجِبُ الْوِتْرَ: الْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ إلَّا أَنْ يَرِدَ السَّمْعُ، فَأَتَمَسَّكُ بِهَذَا الْأَصْلِ حَتَّى يَرِدَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لِلْوُجُوبِ، وَلَمْ يَثْبُتْ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute