للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثَةُ: اسْتِصْحَابُ الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ: عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ، فَإِنَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْعَقْلَ حَكَمٌ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ إلَى أَنْ يَرِدَ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ. وَهَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلْعَقْلِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ. .

الرَّابِعَةُ: اسْتِصْحَابُ الدَّلِيلِ مَعَ احْتِمَالِ الْمُعَارِضِ: إمَّا تَخْصِيصًا إنْ كَانَ الدَّلِيلُ ظَاهِرًا، أَوْ نَسْخًا إنْ كَانَ الدَّلِيلُ نَصًّا، فَهَذَا أَمْرُهُ مَعْمُولٌ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي تَسْمِيَةِ هَذَا النَّوْعِ بِالِاسْتِصْحَابِ، فَأَثْبَتَهُ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ وَمَنَعَهُ الْمُحَقِّقُونَ، مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ " وَإِلْكِيَا فِي تَعْلِيقِهِ "، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ "، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِيهِ مِنْ نَاحِيَةِ اللَّفْظِ لَا مِنْ نَاحِيَةِ الِاسْتِصْحَابِ. ثُمَّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إنَّهَا مُنَاقَشَةٌ لَفْظِيَّةٌ، وَلَوْ سَمَّاهُ اسْتِصْحَابًا لَمْ يُنَاقَشْ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: هَذَا قَدْ يُعَدُّ مِنْ الِاسْتِصْحَابِ لِأَنَّ دَلِيلَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ عِنْدِي غَيْرُ دَلِيلِ بَقَائِهِ فَإِنَّ النَّصَّ مَثَلًا أَثْبَتَ أَصْلَهُ، ثُمَّ بَقَاؤُهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ عَدَمُ الْمُزِيلِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دَلِيلُ الْبَقَاءِ دَلِيلَ الثُّبُوتِ لَمَا جَازَ النَّسْخُ، فَإِنَّ النَّسْخَ يَرْفَعُ الْبَقَاءَ وَالدَّوَامَ. قَالَ إلْكِيَا: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ إمَّا أَنْ لَا يَقْتَضِيَ الدَّوَامَ، كَالْمُقَيَّدِ بِالْمَرَّةِ أَوْ الْمُطْلَقِ، وَقُلْنَا: لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، فَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا النَّسْخُ، لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِفِعْلِ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَإِمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى التَّقْرِيرِ وَالْبَقَاءِ نَصًّا، كَقَوْلِهِ: افْعَلُوهُ دَائِمًا أَبَدًا، وَهُوَ فِي الِاسْتِمْرَارِ ظَاهِرٌ. فَهُمَا دَلِيلَانِ: نَصٌّ فِي الثُّبُوتِ وَظَاهِرٌ فِي الِاسْتِمْرَارِ. فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَرِدُ عَلَيْهِ النَّسْخُ، وَأَبُو زَيْدٍ أَطْلَقَ، وَأَصَابَ فِي قَوْلِهِ: دَلِيلُ الثُّبُوتِ غَيْرُ دَلِيلِ الْبَقَاءِ، وَأَخْطَأَ فِي قَوْلِهِ: دَلِيلُ الْبَقَاءِ عَدَمُ الْمُزِيلِ، فَهَذَا لَيْسَ مِنْ الِاسْتِصْحَابِ فِي شَيْءٍ. (انْتَهَى) . .

<<  <  ج: ص:  >  >>