الْخَامِسَةُ: اسْتِصْحَابُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْإِجْمَاعِ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ: وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى حُكْمِ الشَّرْعِ، بِأَنْ يُتَّفَقَ عَلَى حُكْمٍ فِي حَالَةٍ ثُمَّ تَتَغَيَّرُ صِفَةُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَيَخْتَلِفُ الْمُجْمِعُونَ فِيهِ، فَيَسْتَدِلُّ مَنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْحُكْمَ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ. مِثَالٌ: إذَا اسْتَدَلَّ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى صِحَّتِهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَاسْتَصْحَبَ إلَى أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رُؤْيَةَ الْمَاءِ مُبْطِلَةٌ. وَكَقَوْلِ الظَّاهِرِيَّةِ: يَجُوزُ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ، فَنَحْنُ عَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ. وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، كَمَا قَالَهُ فِي الْقَوَاطِعِ " وَكَذَا فَرَضَ أَئِمَّتُنَا الْأُصُولِيُّونَ الْخِلَافَ فِيهَا: فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ - مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْغَزَالِيُّ - إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْحَقِّ مِنْ الطَّوَائِفِ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ ": إنَّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِمُجَرَّدِ الِاسْتِصْحَابِ، بَلْ إنْ اقْتَضَى الْقِيَاسُ أَوْ غَيْرُهُ إلْحَاقَهُ بِمَا قَبْلَ الصِّفَةِ أُلْحِقَ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا.
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ إلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ الْمُزَنِيّ وَابْنِ سُرَيْجٍ وَالصَّيْرَفِيِّ وَابْنِ خَيْرَانَ، وَحَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْقُطْنِيُّ، وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْقَطَّانِ. قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي شَرْحِ التَّرْتِيبِ ": " كَانَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ شَدِيدَ الْقَوْلِ بِهِ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ مَا كَانَ يَخْرُجُ إلَى اسْتِصْحَابِ الْحَالِ. قَالَ: وَإِنَّمَا أَخَذَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَأَهْلُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ مِنْ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ وَغَيْرُهُمْ أَيْضًا شَدِيدُو الْقَوْلِ بِهِ. انْتَهَى.
وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ. وَقَالَ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ " إنَّهُ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ شُيُوخُ أَصْحَابِنَا، فَيُسْتَصْحَبُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ حَتَّى يَدُلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute