تَثْبُتُ بِأَدِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ. وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى. وَقَدْ يُقَالُ بِالْتِزَامِ الثَّانِي بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُسْتَقْرَأٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الشَّرِيعَةِ فِي الْعَمَلِ بِهِ. وَبَقِيَ مِنْ الْأَنْوَاعِ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ أَحَدُ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ رَوْضَةِ الْحُكَّامِ " أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلشَّيْءِ أَصْلٌ مَعْلُومٌ مِنْ الْوُجُوبِ أَوْ الْحِلِّ أَوْ الْحَظْرِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَيْهِ، وَلَا يُتْرَكُ بِالشَّكِّ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ. فَلَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي لَحْمٍ، فَأَتَاهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِلَحْمٍ، فَقَالَ الْمُسْلِمُ هُوَ لَحْمُ مَيْتَةٍ، أَوْ ذَكَاةُ مَجُوسِيٍّ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْحَيَوَانَ إنْ كَانَ مُحَرَّمًا يَبْقَى التَّحْرِيمُ مَا لَمْ يُعْلَمْ زَوَالُهُ. وَلَوْ اشْتَرَى صَاعًا مِنْ مَاءِ بِئْرٍ فِيهِ قُلَّتَانِ، ثُمَّ قَالَ: أَرُدُّهُ بِالْعَيْبِ فَإِنْ فَأْرَةً وَقَعَتْ فِيهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الْمَاءِ. انْتَهَى. وَجَعَلَ ابْنُ الْقَطَّانِ الْقَوْلَ بِالِاسْتِصْحَابِ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الْبَاقِيَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ مَتَى كُنَّا عَلَى حَالٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهَا فَنَحْنُ عَلَيْهَا، فَمَنْ ادَّعَى الِانْفِصَالَ عَنْهَا احْتَاجَ إلَى دَلِيلٍ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْقَوْلُ بِالِاسْتِصْحَابِ لَازِمٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، لِأَنَّهُ أَصْلٌ تَنْبَنِي عَلَيْهِ النُّبُوَّةُ وَالشَّرِيعَةُ، فَإِنَّا إنْ لَمْ نَقُلْ بِاسْتِمْرَارِ حَالِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ لَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ بِشَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ. انْتَهَى.
وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ هَذَا مَحَلُّ وِفَاقٍ. وَأَمَّا الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ فَجَعَلَ الْخِلَافَ مَعْنَوِيًّا مَبْنِيًّا عَلَى الْخِلَافِ فِي حُكْمِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ اسْتَصْحَبَ الْحَالَ فِي كُلِّ مَا رَآهُ مُبَاحًا فَلَا يَحْظُرُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ.
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ لَمْ يَسْتَصْحِبْ شَيْئًا. السَّادِسَةُ: وَتَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ قَسِيمًا لِمَا سَبَقَ: اسْتِصْحَابُ الْحَاضِرِ فِي الْمَاضِي: وَهُوَ الْمَقْلُوبُ فَإِنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ ثُبُوتُ أَمْرٍ فِي الثَّانِي لِثُبُوتِهِ فِي الْأَوَّلِ، لِفُقْدَانِ مَا يَصْلُحُ لِلتَّعْيِينِ. وَهَذَا الْقِسْمُ فِي ثُبُوتِهِ فِي الْأَوَّلِ لِثُبُوتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute