الْحُكْمُ بِهِ. وَأَمَّا فِي اسْتِصْحَابِ الْإِجْمَاعِ فَالْإِجْمَاعُ الَّذِي كَانَ دَلِيلًا عَلَى الْحُكْمِ قَدْ زَالَ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَوَجَبَ طَلَبُ دَلِيلٍ آخَرَ.
وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ حَسَنَةٌ، وَقَدْ سَبَقَهُ إلَيْهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ. وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا عَدَا اسْتِصْحَابَ الْإِجْمَاعِ لَفْظِيٌّ، وَبِهِ صَرَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: إنَّا لَا نُثْبِتُ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَلَا نَحْكُمُ لِشَيْءٍ لِأَجْلِ الِاسْتِصْحَابِ، لَكِنْ نَطْلُبُ مِنْ الْمُدَّعِي حُجَّةً يُقِيمُهَا، فَإِذَا لَمْ يُقِمْ بَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَحْكُمَ بِثُبُوتِ شَيْءٍ. وَالْخِلَافُ وَاقِعٌ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَهَذَا لَا نَقُولُ بِهِ فِي مَوْضِعٍ مَا. انْتَهَى. وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى تَغَايُرُ الْأُولَى، قَدْ ذَكَرَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ، وَحَاصِلُهَا التَّفْصِيلُ بَيْنَ الدَّوَامِ وَالِابْتِدَاءِ، وَنَقُولُ: لَيْسَ فِي الدَّوَامِ إثْبَاتٌ، وَإِنَّمَا هُنَاكَ اسْتِمْرَارُ مَا كَانَ لِعَدَمِ طَرَيَان مَا يَرْفَعُهُ. وَهِيَ تَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ الْكَلَامِيِّ فِي أَنَّ الْبَاقِيَ فِي مَحَلِّ الْبَقَاءِ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى مُؤَثِّرٍ؟ وَفِيهِ قَوْلَانِ: فَإِنَّ قُلْنَا: لَا يَحْتَاجُ وَصَحَّتْ وَإِلَّا لَمْ يَنْتَهِضْ، لِأَنَّك فِي الدَّوَامِ تُرِيدُ دَلِيلًا وَأَنْتَ مُثْبِتٌ بِهِ فَكَيْفَ نَقُولُ: لَمْ نَحْكُمْ لِشَيْءٍ؟ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْبَاقِيَ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى مُؤَثِّرٍ يَنْبَنِي عَلَى اخْتِلَافٍ آخَرَ فِي أَنَّ عِلَّةَ الْحَاجَةِ إلَى الْمُؤَثِّرِ، هَلْ هِيَ الْإِمْكَانُ أَوْ الْحُدُوثُ أَوْ مَجْمُوعُهُمَا، أَوْ الْإِمْكَانُ بِشَرْطِ الْحُدُوثِ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْعِلَّةَ الْإِمْكَانُ، وَأَنَّ الْبَاقِيَ يَحْتَاجُ إلَى مُؤَثِّرٍ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، فَعَلَى هَذَا لَا تَنْتَهِضُ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ. وَمِمَّنْ زَعَمَ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ ابْنُ بَرْهَانٍ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ: إذَا حُقِّقَ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ لَمْ يَبْقَ خِلَافٌ، فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: الْأَصْلُ يَقْتَضِي كَذَا، فَإِنَّمَا يَتَمَسَّكُ بِهِ إلَى أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ إمَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْأَصْلِ أَصْلَ الشَّرْعِ، أَوْ أَصْلَ الْعَقْلِ، فَإِنْ أَرَادَ الْعَقْلَ فَالْخَصْمُ لَا يَعْتَرِفُ أَنَّ الْعَقْلَ يَقْتَضِي حُكْمًا، وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْعَقْلِيَّةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ، فَلَا يُسْتَصْحَبُ الْحَالُ فِيهَا.
وَإِنْ أَرَادَ أَصْلَ الشَّرْعِ فَبَاطِلٌ أَيْضًا، لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ إنَّمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute