إنْ قُلْت: قَبْلَهُ، فَمُسَلَّمٌ، أَوْ بَعْدَهُ، فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ مُعَارَضَةً لِكَلَامِهِ. قُلْت: قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي شَرْحِ التَّرْتِيبِ ": وَاتَّفَقَ أَنْ حَضَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْهَرَوِيُّ يَعْنِي الزُّبَيْرِيَّ، وَقَالَ أَنَا أُقَرِّرُ الِاسْتِصْحَابَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْمُعَارَضَةُ، فَقُلْت: هَاتِ فَقَالَ: إذَا قَالَ الْمُسْتَدِلُّ فِي إبْطَالِ الْوَقْفِ: أَنَّ مَا وُقِفَ قَدْ تَقَرَّرَ بِالِاتِّفَاقِ مِلْكُ الْمَالِكِ عَلَيْهِ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِدَلِيلٍ. فَقُلْت: الْعَكْسُ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: مَا يَحْصُلُ مِنْ الْمَنَافِعِ بَعْدَ الْوَقْفِ قَدْ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ، لِكَوْنِهَا مَعْدُومَةً، فَلَا تَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَاقِفِ إلَّا بِدَلِيلٍ. الثَّانِي: أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ لَا مِلْكَ لِلْوَاقِفِ عَلَى الْكِرَاءِ الَّذِي يَأْخُذُ بَدَلًا عَنْ الْمَنَافِعِ، فَلَا يَمْلِكُ إلَّا بِدَلِيلٍ. الثَّالِثُ: مَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بَعْدَ الْوَقْفِ مِنْ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ، الْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا. قَالَ الْأُسْتَاذُ: إذَا كَانَتْ مَسَائِلُ الِاسْتِصْحَابِ هَكَذَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَدِلَّةِ فِي الْأَحْكَامِ قَالَ: وَمَا ادَّعَوْهُ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ بِالِاسْتِصْحَابِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ احْتِجَاجًا عَلَى طَرِيقِ الِابْتِدَاءِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّرْجِيحِ بَعْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ. انْتَهَى.
وَقَدْ أَنْكَرَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ الْقَوْلَ بِالِاسْتِصْحَابِ جُمْلَةً، وَقَالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا. أَمَّا فِي اسْتِصْحَابِ الْعَامِّ وَالنَّصُّ قَبْلَ الْخَاصِّ وَالنَّاسِخِ فَلَيْسَ ذَلِكَ اسْتِصْحَابًا، لِأَنَّ الدَّلِيلَ قَائِمٌ وَهُوَ الْعَامُّ وَالنَّصُّ. وَأَمَّا اسْتِصْحَابُ دَلِيلِ الْعَقْلِ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ فَإِنَّمَا وَجَبَ اسْتِصْحَابُ بَرَاءَةِ الذِّمَمِ لِأَنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ قَائِمٌ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ أَيْضًا، كَمَا فِي الْعَامِّ وَالنَّصِّ، فَوَجَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute