عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ الْجِزْيَةِ. (قَالَ) : وَهَذَا أَصْلٌ فِي التَّوْقِيتِ قَدْ صَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ، كَتَحْدِيدِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بِمَرْحَلَتَيْنِ، وَمَا لَا يُنَجَّسُ مِنْ الْمَاءِ بِالْمُلَاقَاةِ بِقُلَّتَيْنِ، وَأَنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هُوَ أَنْ يَخْتَلِفَ الصَّحَابَةُ فِي تَقْدِيرٍ، فَيَذْهَبُ بَعْضُهُمْ إلَى مِائَةٍ مَثَلًا، وَبَعْضُهُمْ إلَى خَمْسِينَ. فَإِنْ كَانَتْ دَلَالَةً تُعَضِّدُ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ صِيرَ إلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَلَالَةً فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: نَأْخُذُ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ مِنْ حَيْثُ كَانَ أَقَلَّ، وَيَقُولُ: إنْ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ قَالَ: إنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ الثُّلُثُ، وَحَكَى اخْتِلَافَ الصَّحَابَةِ فِيهِ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ بِالنِّصْفِ، وَبَعْضُهُمْ بِالْمُسَاوَاةِ، وَبَعْضُهُمْ بِالثُّلُثِ، فَكَانَ هَذَا أَقَلَّهَا. وَمِثْلُهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فِي الدِّيَةِ أَنَّهَا أَخْمَاسٌ، وَرُوِيَ أَنَّهَا أَرْبَاعٌ، فَكَانَتْ رِوَايَةُ الْأَخْمَاسِ أَوْلَى، لِأَنَّهَا أَقَلُّ مَا رُوِيَ، فَنَصِيرُ إلَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ احْتَجَّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا لَوْ سَرَقَ رَجُلٌ مَتَاعًا لِرَجُلٍ، فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ إلَّا بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَلَالَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ دَلَالَةٌ فَلَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ إلَّا وَلِلْآخَرِ أَنْ يَقُولَ بِمَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَائِلِينَ أَجْمَعُوا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَاهُ فَأَخَذَ بِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَتَرَكَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. يَلْزَمُهُ أَنْ يَقِفَ فِي الزِّيَادَةِ وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ دَلَالَةٌ. وَأَمَّا مَا قَالُوهُ فِي دِيَةِ الْيَهُودِيِّ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَلَكَ فِيهِ غَيْرَ هَذَا الطَّرِيقِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: قَدْ دَلَّ عَلَى أَنْ لَا مُسَاوَاةَ بِقَوْلِهِ: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} [السجدة: ١٨] فَإِذَا بَطَلَتْ الْمُسَاوَاةُ فَلَيْسَ لِلنَّاسِ إلَّا قَوْلَانِ، فَإِذَا بَطَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute