للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلًا أَنَّهُ يَأْخُذُ بِأَكْثَرِ مَا قِيلَ لِيَخْرُجَ عَنْ عَهْدِ التَّكْلِيفِ بِيَقِينٍ. قَالَ: وَلَيْسَ الثُّلُثُ فِي دِيَةِ الْيَهُودِيِّ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ، فَقَدْ رَوَيْنَا مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، أَنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَقُولُوا بِهِ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا قِيلَ. وَعَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ لَا دِيَةَ لِلْكِتَابِيِّ أَصْلًا، فَلَيْسَ ثُلُثُ الدِّيَةِ أَقَلَّ مَا قِيلَ. قَالَ: وَلَنَا فِيهِ تَفْصِيلٌ. وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْوَاجِبَ الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ. وَأَوْضَحُ مِثَالٍ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قِيمَةُ الْمُتْلَفِ، بِأَنْ يَجْنِيَ عَلَى سِلْعَةٍ يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فِي تَقْوِيمِهَا، فَيُقَوِّمُهَا. بَعْضُهُمْ بِمِائَةٍ، وَبَعْضُهُمْ بِمِائَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ إذَا جَرَحَهُ جِرَاحَةً لَيْسَ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ. .

مَسْأَلَةٌ فِي الْقَوْلِ بِالْأَخَفِّ هَذَا، قَدْ يَكُونُ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُتَعَارِضَةِ أَمَارَاتُهَا. وَقَدْ صَارَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» وَهَذَا يُخَالِفُ الْأَخْذَ بِالْأَقَلِّ، فَإِنَّ هُنَاكَ يَشْتَرِطُ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْأَقَلِّ، وَلَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ هَاهُنَا. وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَضَارِّ الْمَنْعُ، إذْ الْأَخَفُّ مِنْهُمَا هُوَ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>