فِيمَا أَصْلُهُ اشْتِغَالُ الذِّمَّةِ. وَلِذَلِكَ جَعَلَ الْأَخْذَ بِأَكْثَرَ فِي الضَّرْبِ الثَّانِي - وَهُوَ مَا أَصْلُهُ اشْتِغَالُ الذِّمَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَخْذِ بِالْأَقَلِّ فِي الْأَوَّلِ. وَقَدْ وَهَمَ بَعْضُهُمْ فَأَوْرَدَ عَدَدَ الْجُمُعَةِ سُؤَالًا، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْأَخْذَ فِيهِ بِالْأَكْثَرِ بِمَنْزِلَةِ الْأَخْذِ بِالْأَقَلِّ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمُرَكَّبَ مِنْ أَجْزَاءٍ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا مُرْتَبِطًا بِبَعْضٍ فَلَا يَعْتَدُّ بِهِ إلَّا مَعَ صَاحِبِهِ، كَصِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ. وَثَانِيهِمَا: أَنْ لَا يَرْتَبِطُ، كَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِزَيْدٍ عِشْرُونَ دِرْهَمًا يُؤَدِّيهَا كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا. وَنَظِيرُ الثَّانِي: دِيَةُ الْيَهُودِيِّ، فَإِنَّ أَبْعَاضَ [الدِّيَةِ] مِنْ حَيْثُ هِيَ لَا تَعَلُّقَ لِبَعْضِهَا بِبَعْضٍ، فَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَجَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقٍ لَهُ بِصَاحِبِهَا، فَإِذَا خَرَجَ ثُلُثُهَا بَرِئَ قَطْعًا، وَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَلَمْ يُوجَدْ. وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ: الْجُمُعَةُ فَإِنَّ أَبْعَاضَ عَدَدِهَا يَتَعَلَّقُ بِبَعْضٍ، فَمَنْ صَلَّاهَا فِي ثَلَاثَةٍ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ وَلَمْ يَأْتِ بِمَا أُسْقِطَ عَنْهُ شَيْئًا، فَأَخَذْنَا بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَحَاصِلُهُ إيجَابُ الِاحْتِيَاطِ فِيمَا أَصْلُهُ الْوُجُوبُ دُونَ غَيْرِهِ. وَالْفُرُوعُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَا تَخْفَى. وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْأَخْذَ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ مُرَكَّبٌ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَمِنْ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، فَلَا يُتَّجَهُ مِنْ الْقَائِلِ الْمُخَالَفَةُ فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ وَحْدَهُ كَمَا قَالَ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. قَالَ الْقَاضِي: وَنَقَلَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ تَمَسَّكَ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ خَطَأٌ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ النَّاقِلَ زَلَّ فِي كَلَامِهِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: هُوَ سُوءُ ظَنٍّ بِهِ، فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ وُجُوبُ هَذَا الْقَدْرِ، وَلَا مُخَالَفَةَ فِيهِ، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ سُقُوطُ الزِّيَادَةِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ.
نَعَمْ الْمُشْكِلُ جَعْلُهُ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا مَعَ تَرْكِيبِهِ مِنْ دَلِيلَيْنِ، فَكَيْفَ يُتَّجَهُ مِمَّنْ يُوَافِقُ عَلَى الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مُخَالَفَةُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ. وَأَمَّا ابْنُ حَزْمٍ فِي الْأَحْكَامِ " فَأَنْكَرَ الْأَخْذَ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ، وَقَالَ: إنَّمَا يَصِحُّ إذَا أَمْكَنَ ضَبْطُ أَقْوَالِ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ. وَحَكَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute