للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِيمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، كَالْجُمُعَةِ الثَّابِتِ فَرْضُهَا، اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي عَدَدِ انْعِقَادِهَا، فَلَا يَكُونُ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ دَلِيلًا لِارْتِهَانِ الذِّمَّةِ بِهَا فَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ بِالشَّكِّ، وَهَلْ يَكُونُ الْأَخْذُ بِالْأَكْثَرِ دَلِيلًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَكُونُ دَلِيلًا وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ، لِأَنَّ الذِّمَّةَ تَبْرَأُ بِالْأَكْثَرِ إجْمَاعًا، وَبِالْأَقَلِّ خِلَافًا، فَلِذَلِكَ جَعَلَهَا الشَّافِعِيُّ تَنْعَقِدُ بِأَرْبَعِينَ، لِأَنَّ هَذَا الْعَدَدَ أَكْثَرُ مَا قِيلَ. الثَّانِي: لَا يَكُونُ دَلِيلًا، لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ مِنْ الْخِلَافِ دَلِيلٌ فِي حُكْمٍ، وَالشَّافِعِيُّ إنَّمَا اعْتَبَرَ الْأَرْبَعِينَ بِدَلِيلٍ آخَرَ.

قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَهَذَا كُلُّهُ كَلَامُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَلَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ مَعْنًى، انْتَهَى. وَإِنَّمَا يَتِمُّ الْأَخْذُ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ بِشُرُوطٍ: أَحَدُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدٌ قَالَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الشَّيْءِ. وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ الثُّلُثُ دِيَةَ الذِّمِّيِّ - مَثَلًا - أَقَلُّ الْوَاجِبِ. بَلْ لَا يَكُونُ هُنَاكَ شَيْءٌ هُوَ الْأَقَلُّ. ثَانِيهَا: أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدٌ قَالَ بِوُجُوبِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ، كَمَا لَوْ قِيلَ: إنَّهُ يَجِبُ هَاهُنَا فَرَسٌ، فَإِنَّ هَذَا الْقَائِلَ لَا يَكُونُ مُوَافِقًا عَلَى وُجُوبِ الثُّلُثِ وَإِنْ نَقَصَ ذَلِكَ عَنْ قِيمَةِ الْفَرَسِ، وَالْقَائِلُ بِالثُّلُثِ لَا يَقُولُ بِالْفَرَسِ وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا عَنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ، فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ شَيْءٌ هُوَ أَقَلُّ. ثَالِثُهَا: أَنْ لَا يُوجَدَ دَلِيلٌ أَخَذَ غَيْرَ الْأَقَلِّ، وَإِلَّا كَانَ ثُبُوتُهُ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ، لَا بِهَذَا الطَّرِيقِ.

رَابِعُهَا: أَنْ لَا يُوجَدَ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى مَا هُوَ زَائِدٌ وَإِلَّا وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَكَانَ مُبْطِلًا لِحُكْمِ هَذَا الْأَصْلِ. وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ بِانْعِقَادِ الْجُمُعَةِ بِثَلَاثَةِ، وَلَا بِالْغُسْلِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَلَاثًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلُّ مَا قِيلَ، لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى اشْتِرَاطِ مَا صَارَ إلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الْأَخْذُ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَخْذِ بِالْمُحَقَّقِ وَطَرْحِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ فِيمَا أَصْلُهُ الْبَرَاءَةُ، وَالْأَخْذُ بِمَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>