لِأَنَّهُ مُدَّعٍ، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} [يونس: ٣٩] فَذَمَّهُمْ عَلَى نَفْيِ مَا لَمْ يَعْلَمُوهُ مُبَيَّنًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ١١١] فِي جَوَابِ: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ} [البقرة: ١١١] .
الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ دَاوُد وَأَهْلِ الظَّاهِرِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ النَّفْيُ وَالْعَدَمُ، فَمَنْ نَفَى الْحُكْمَ فَلَهُ أَنْ يَكْتَفِي بِالِاسْتِصْحَابِ، لَكِنَّ ابْنَ حَزْمٍ فِي الْأَحْكَامِ " صَحَّحَ الْأَوَّلَ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَلْزَمَهُ فِي النَّفْيِ الْعَقْلِيِّ دُونَ الشَّرْعِيِّ، حَكَاهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ "، وَابْنُ فُورَكٍ. الرَّابِعُ: قَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ أَنَّ مَا لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ فَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَالنَّفْيُ فِيهِ كَالْإِثْبَاتِ، بِخِلَافِ الضَّرُورِيِّ، وَظَنَّ بَعْضُهُمْ انْفِرَادَ الْغَزَالِيِّ بِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَفِي الْكَافِي " لِلْخُوَارِزْمِيِّ حِكَايَةُ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّافِي شَاكًّا فِي نَفْيِهِ أَوْ نَافِيًا لَهُ عَنْ مَعْرِفَةٍ، فَإِنْ كَانَ شَاكًّا فَلَا عِلْمَ مَعَ الشَّكِّ، وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي نَفْيَهُ عَنْ مَعْرِفَةٍ فَتِلْكَ الْمَعْرِفَةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ ضَرُورِيَّةً أَوْ اسْتِدْلَالِيَّةً، فَإِنْ كَانَتْ ضَرُورِيَّةً فَلَا مُنَازِعَ فِي الضَّرُورِيَّاتِ، وَإِنْ كَانَتْ اسْتِدْلَالِيَّةً فَلَا بُدَّ مِنْ إبْرَازِ الدَّلِيلِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ ": الْخِلَافُ فِيمَا لَا يُعْلَمُ ثُبُوتُهُ وَانْتِفَاؤُهُ بِالضَّرُورَةِ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِالدَّلِيلِ، وَيُمْكِنُ إقَامَتُهُ عَلَيْهِ، فَأَمَّا مَا يُعْلَمُ حِسًّا وَاضْطِرَارًا فَلَا سَبِيلَ إلَى إقَامَةِ دَلِيلٍ عَلَى ثُبُوتِهِ وَنَفْيِهِ، كَعِلْمِ الْإِنْسَانِ بِوُجُودِ نَفْسِهِ وَمَا يَجِدُهَا عَلَيْهِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ وَلَا عَلَى جَنَاحِ طَائِرٍ وَنَحْوَهُ. الْخَامِسُ: إنَّ نَفْيَ عِلْمِ نَفْسِهِ بِأَنْ يَقُولَ: لَا أَعْلَمُ، فَلَا يَلْزَمُهُ الدَّلِيلُ، وَإِنْ كَانَ يَنْفِي الْحُكْمَ فَيَلْزَمُهُ الدَّلِيلُ، لِأَنَّ نَفْيَ الْحُكْمِ حُكْمٌ، كَمَا أَنَّ الْإِثْبَاتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute