للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكْمٌ

، وَمَنْ نَفَى حُكْمًا أَوْ أَثْبَتَهُ احْتَاجَ إلَى الدَّلِيلِ، قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ ": وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْحَقُّ. وَالسَّادِسُ: ذَكَرَهُ بَعْضُ الْجَدَلِيِّينَ: إنْ ادَّعَى لِنَفْسِهِ عِلْمًا بِالنَّفْيِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ، وَإِنْ نَفَى عِلْمَهُ فَهُوَ مُخْبِرٌ عَنْ جَهْلِ نَفْسِهِ، لَكِنَّ الْجَاهِلَ يَجِبُ أَنْ يَتَوَقَّفَ فِي إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ وَلَا يَحْكُمُ فِيهَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ. وَاخْتَارَهُ الْمُطَرِّزِيُّ فِي الْعُنْوَانِ " وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا: إنَّ الْإِنْسَانَ إنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ لِإِمْكَانِ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. وَالسَّابِعُ: قَالَهُ ابْنُ فُورَكٍ: النَّافِي لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ إذَا قَالَ: " لَمْ أَجِدْ فِيهِ دَلِيلًا وَقَدْ تَصَفَّحْت الدَّلَائِلَ " وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، كَانَ لَهُ دَعْوَى ذَلِكَ. وَيَرْجِعُ إلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْعُقُولُ مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ. قَالَ: وَهَذَا النَّوْعُ قَرِيبٌ مِنْ اسْتِصْحَابِ الْحَالِ، فَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِالْإِبَاحَةِ أَوْ الْحَظْرِ أَنْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالْوَقْفِ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا عَلَى طَرِيقِ اسْتِصْحَابِ الْحَالِ الشَّرْعِيِّ. وَالثَّامِنُ: أَنَّهُ حُجَّةٌ دَافِعَةٌ لَا مُوجِبَةٌ، حَكَاهُ أَبُو زَيْدٍ فِي التَّقْوِيمِ ". وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَائِلَ: بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَكْفِيهِ اسْتِصْحَابُ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ بِأَنَّ الْأَصْلَ يُوجِبُ ظَنَّ دَوَامِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ، وَحُصُولُ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِلَا سَبَبٍ فَهُوَ خَطَأٌ، لِأَنَّ النَّفْيَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ. وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: فِي هَذِهِ خِلَافٌ، لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالنَّافِي مَنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ أَوْ الظَّنَّ بِالنَّفْيِ فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ، كَمَا فِي الْإِثْبَاتِ، لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا لَا يُعْلَمُ نَفْيُهُ بِالضَّرُورَةِ، وَإِنْ أُرِيدَ مَنْ يَدَّعِي عَدَمَ عِلْمِهِ أَوْ ظَنِّهِ فَهَذَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَدَّعِي جَهْلَهُ بِالشَّيْءِ، وَالْجَاهِلُ بِالشَّيْءِ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِالدَّلِيلِ عَلَى جَهْلِهِ، كَمَا لَا يُطَالِبُ بِهِ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ لَا يَجِدُ أَلَمًا وَلَا جُوعًا وَلَا حَرًّا وَلَا بَرْدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>