للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَقْتَضِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَعَبَّدَهُ بِشَرِيعَةٍ سَابِقَةٍ، وَذَلِكَ يَأْبَاهُ حِكَايَتُهُمْ الْخِلَافَ، هَلْ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِشَرِيعَةِ مُوسَى أَوْ عِيسَى؟ فَإِنَّ شَرَائِعَ بَنِي إسْرَائِيلَ لَمْ تَتَعَدَّ إلَى بَنِي إسْمَاعِيلَ، بَلْ كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ بَيْنَ مُوسَى وَعِيسَى يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ فَلَا تَتَعَدَّى رِسَالَتُهُ قَوْمَهُ. حَتَّى نَقَلَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُبْعَثْ إلَى أَهْلِ مِصْرَ بَلْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ وَلِيَأْخُذَهُمْ مِنْ الْقِبْطِ مِنْ يَدِ فِرْعَوْنَ، وَلِذَلِكَ لَمَّا جَاوَزَ الْبَحْرَ لَمْ يَرْجِعْ إلَى مِصْرَ لِتَعُمَّ فِيهَا شَرِيعَتُهُ، بَلْ أَعْرَضَ عَنْهُمْ إعْرَاضًا كُلِّيًّا. وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ اللَّهُ تَعَالَى تَعَبَّدَ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرِيعَتِهِمَا أَلْبَتَّةَ، فَبَطَلَ قَوْلُنَا أَنَّهُ كَانَ مُتَعَبِّدًا (بِفَتْحِ الْبَاءِ) ، بَلْ (بِكَسْرِهَا) . وَهَذَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ نُبُوَّتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَعَبَّدَهُ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ عَلَى الْخِلَافِ، بِنُصُوصٍ خَاصَّةٍ، فَيَسْتَقِيمُ الْفَتْحُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ دُونَ مَا قَبْلَهَا. وَكَلَامُ الْآمِدِيَّ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ: غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ فِي الْعُقُولِ أَنْ يَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى مَصْلَحَةَ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ فِي تَكْلِيفِهِ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي (فَتْحَ الْبَاءِ) . وَلَمْ نَرَ لِغَيْرِهِ تَعَرُّضًا لِذَلِكَ. قُلْت: قَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ، كَمَا سَبَقَ. الثَّالِثُ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يَظْهَرُ لَهَا فَائِدَةٌ، بَلْ تَجْرِي مَجْرَى التَّوَارِيخِ الْمَنْقُولَةِ. وَوَافَقَهُ الْمَازِرِيُّ وَالْإِبْيَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَظْهَرَ فِي إطْلَاقِ النَّسْخِ عَلَى مَا تَعَبَّدَ بِهِ بِوُرُودِ شَرِيعَتِهِ الْمُؤَيِّدَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَنَّهُ هَلْ تَعَبَّدَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهَا؟ وَالْبَحْثُ هُنَا مَعَ الْقَائِلِينَ بِالتَّعَبُّدِ قَبْلَهُ. وَأَمَّا مَنْ نَفَاهُ ثَمَّ [فَقَدْ] نَفَاهُ هَاهُنَا بِالْأَوْلَى. عَلَى مَذَاهِبَ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَبِّدًا، بَلْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهَا، وَحَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ أَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ آخَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>