حُكْمُهُ، لِانْتِقَاءِ الْعِلْمِ بِصِحَّتِهِ. وَأَمَّا مَا قَصَّهُ عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ لَزِمَنَا فِيهِ شَرَائِعُ إبْرَاهِيمَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [النحل: ١٢٣] . وَفِي لُزُومِ مَا شَرَعَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) : يَلْزَمُهُ، لِكَوْنِهِ حَقًّا مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِهِ. و (الثَّانِي) : لَا يَلْزَمُ، لِكَوْنِ أَصْلِهِ مَنْسُوخًا. انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوِفَاقِ عَلَى إبْرَاهِيمَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ التَّجْرِيدِ " فَقَالَ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا، هَلْ تَلْزَمُنَا؟ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ شَرِيعَةَ إبْرَاهِيمَ لَازِمَةٌ لَنَا. وَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْأُصُولِ ": إذَا ثَبَتَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى شَيْءٌ، هَلْ يَجُوزُ بَعْدَ بَعْثِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّمَسُّكُ بِهِ؟ وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) : يَجِبُ عَلَيْنَا الِاقْتِدَاءُ بِشَرَائِعِهِمْ إلَى أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ شَرْعُنَا. (وَالثَّانِي) : لَا اقْتِدَاءَ إلَّا بِشَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: كَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يَقُولُ: مَا حَكَى اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَنْهُمْ فَهُوَ حَقٌّ، وَهُوَ وَاجِبٌ فِي شَرِيعَتِنَا إلَّا أَنْ يُغَيَّرَ عَنْهُ. وَقَدْ كَانَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ: مَا حُكِيَ لَنَا عَنْهُمْ مِمَّا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ مِنْ الْمُسْتَفِيضِ وَالْمُتَوَاتِرِ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ. انْتَهَى. الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمْ يَتَعَبَّدْ فِيهَا بِأَمْرِ وَلَا نَهْيٍ. حَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ. الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: الْوَقْفُ. حَكَاهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ. وَحَكَى ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ " عَنْ أَبِي زَيْدٍ، أَنَّ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ الْأَنْبَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ، كَقِسْمَةِ الْمُهَايَأَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: ٢٨] وَقَوْلُهُ: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: ٧٢] وَقَوْلُهُ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] . . . قَالَ: فَهَذَا يَكُونُ شَرْعُنَا، لِأَنَّهُ مَصُونٌ عَنْ التَّحْرِيفِ.
وَهَذَا لَا يَصْلُحُ جَعْلُهُ مَذْهَبًا بِالتَّفْصِيلِ، لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ شَرْعٌ بِقَوْلِهِ وَإِنْ احْتَمَلَ التَّبْدِيلَ، وَهُوَ لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْعَلُ الْمَنْقُولُ عَنْهُمْ عَمَّا فِي الْقُرْآنِ خَاصَّةً كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمَاوَرْدِيِّ السَّابِقَةِ، فَيَجِيءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute