شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا وَلَمْ يَرِدْ فِي شَرَعْنَا نَاسِخٌ لَهُ لَزِمَهُ التَّعَلُّقُ بِهِ.
قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ. قُلْت: وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ " إنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ " فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَأَنَّهُ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَاوِي ". انْتَهَى. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لِلشَّافِعِيِّ مَيْلٌ إلَى هَذَا، وَبَنَى عَلَيْهِ أَصْلًا مِنْ أُصُولِهِ فِي " كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ "، وَتَابَعَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ ": وَقَدْ اسْتَأْنَسَ الشَّافِعِيُّ لِصِحَّةِ الضَّمَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: ٧٢] فَكَانَ الْحَمْلُ فِي مَعْنَى الْجِعَالَةِ لِمَنْ يُنَادِي فِي الْعِيرِ بِالصُّوَاعِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ وَتَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِهِ، وَقَالَ أَيْضًا فِي " كِتَابِ الضَّمَانِ " فِيمَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ سَوْطٍ، فَضَرَبَهُ بِالْعُثْكُولِ: إنَّهُ يَبْرَأُ، لِقِصَّةِ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَعْمُولٌ بِهَا فِي مِلَّتِنَا، وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ الْمِلَلَ لَا تَخْتَلِفُ فِي مُوجِبِ الْأَلْفَاظِ وَفِيمَا يَقَعُ بِرًّا وَحِنْثًا.
وَثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَجَدَ فِي " سُورَةِ ص " وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: ٩٠] فَاسْتَنْبَطَ التَّشْرِيعَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ: إنَّهُ الَّذِي تَقْتَضِيهِ أُصُولُ مَالِكٍ. وَكَذَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ذَهَبَ إلَيْهِ مُعْظَمُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ ": نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ فِي " كِتَابِ الدِّيَاتِ " مِنْ الْمُوَطَّإِ ". وَلَا خِلَافَ عِنْدَهُ فِيهِ. وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ شَرْعٌ لَنَا فَقِيلَ: شَرْعُ إبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه وَحْدَهُ، وَقِيلَ: شَرْعُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَرْعُنَا إلَّا مَا نُسِخَ بِشَرِيعَةِ عِيسَى. وَقِيلَ: شَرِيعَةُ عِيسَى وَحْدَهُ. حَكَاهُ الشَّيْخُ فِي اللُّمَعِ " وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُمَا: وَنَقَلَا الْخِلَافَ بِعَيْنِهِ فِي الْمِلَّتَيْنِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي ": مَا تَضَمَّنَتْهُ شَرَائِعُ مَنْ قَبْلَنَا، فِيمَا لَمْ يَقُصَّهُ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ، لَا يَلْزَمُنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute