شَرْعًا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ: حَقِيقَةُ الْجَوَازِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ وَالتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا بِتَسْوِيَةِ الشَّارِعِ.
وَقَالَ ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ: أَكْثَرُهُمْ يَجْعَلُ الْخِلَافَ لَفْظِيًّا، لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الْغَزَالِيَّ عَنَى بِالْجَوَازِ الَّذِي لَا يَبْقَى بَعْدَ رَفْعِ الْوُجُوبِ التَّخْيِيرَ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا لِلْوَاجِبِ بَلْ هُوَ قَسِيمُهُ وَمُقَابِلُهُ، وَمَنْ قَالَ يَبْقَى، لَمْ يَعْنِ بِالْجَوَازِ الْجُزْءَ بَلْ عَنَى بِهِ رَفْعَ الْحَرَجِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْوَاجِبِ. قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرَّازِيَّ يَقُولُ: يَبْقَى الْجَوَازُ بِمَعْنَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ. قَالَ: وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْخِلَافَ مَعْنَوِيٌّ، وَأَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ التِّلِمْسَانِيُّ لَيْسَ بِحَقٍّ، وَقَالَ الْقَرَافِيِّ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ بِمَعْنَى مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، وَهُوَ بَعِيدٌ، قَالَ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: أَنْ يَرِدَ الْأَمْرُ ثُمَّ يَقُولُ الْآمِرُ: رَفَعْت الْوُجُوبَ فَقَطْ. أَمَّا إنْ نُسِخَ الْأَمْرُ بِالتَّحْرِيمِ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ قَطْعًا، أَوْ قَالَ رَفَعْت جُمْلَةَ مَا دَلَّ الْأَمْرُ السَّابِقُ مِنْ جَوَازٍ وَغَيْرِهِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْجَوَازِ قَطْعًا.
قُلْت: الْغَزَالِيُّ مُنَازِعٌ فِي أَصْلِ بَقَاءِ الْجَوَازِ؛ لِقَوْلِهِ: إنَّ الْحَالَ يَعُودُ إلَى مَا قَبْلُ مِنْ تَحْرِيمٍ أَوْ إبَاحَةٍ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَالُ قَبْلَ الْوُجُوبِ تَحْرِيمًا، فَعِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ يَكُونُ الْفِعْلُ الْآنَ مُحَرَّمًا كَمَا كَانَ أَوْ لَا، وَعِنْدَ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّ مُطْلَقَ الْجَوَازِ الَّذِي كَانَ دَاخِلًا فِي ضِمْنِ الْوُجُوبِ بَاقٍ يُصَادِمُ مَا دَلَّ عَلَى التَّحْرِيمِ، فَالْخِلَافُ مَمْنُوعٌ قَطْعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute