وَلِلْمَسْأَلَةِ الْتِفَاتٌ إلَى بَحْثٍ عَقْلِيٍّ، وَهُوَ أَنَّ الْفَصْلَ عِلَّةٌ لِوُجُودِ حِصَّةِ النَّوْعِ مِنْ الْجِنْسِ، وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْفَصْلِ عَدَمُ حِصَّةِ النَّوْعِ مِنْ الْجِنْسِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْعِلَّةِ عَدَمُ الْمَعْلُولِ، وَابْنُ سِينَا هُوَ الْقَائِلُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَالرَّازِيَّ يُخَالِفُهُ فِيهَا، وَيَقُولُ: ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِلَى بَحْثٍ أُصُولِيٍّ، وَهُوَ أَنَّ الْمُبَاحَ هَلْ هُوَ جِنْسٌ لِلْوَاجِبِ، وَالْجَائِزُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ أَمْ لَا؟ وَالْمُرَادُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ مَا لِفَاعِلِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ مَعَ جَوَازِ تَرْكِهِ، وَبِالْأَهَمِّ مَا لِفَاعِلِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ، وَلِهَذَا قَدَّمْت ذِكْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَيْهَا.
وَعَبَّرَ عَنْهَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي كِتَابِهِ بِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ هَلْ يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ الْأَدَاءِ، أَمْ لَا؟ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ إلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ مَأْمُورٌ بِالْأَدَاءِ شَرْعًا، وَلَا يَكُونُ الْمُؤَدَّى جَائِزًا، وَعَبَّرَ عَنْهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى تِلْمِيذُ الْغَزَالِيِّ فِي كِتَابِهِ " الْمُحِيطِ " بِعِبَارَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: هَلْ الْفَرْضُ دَاخِلٌ فِي جِنْسِ النَّفْلِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ نَفْلٌ وَزِيَادَةٌ أَوْ هُمَا نَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ؟ خِلَافٌ، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ مَا إذَا قَامَ عَنْ السُّجُودِ نَاسِيًا، وَقَصَدَ الِاسْتِرَاحَةَ، فَإِنْ قُلْنَا: النَّفَلُ دَاخِلٌ فِي حَقِيقَةِ الْفَرْضِ فَلَمْ تَكُنْ الِاسْتِرَاحَةُ فِيهِ مُنَاقِضَةً لِنِيَّةِ الْفَرْضِ الْبَاقِيَةِ كُلِّهَا، بَلْ تَعَرَّضَتْ لِبَعْضِهَا فَصَحَّتْ الْجِلْسَةُ عَنْ الْفَرْضِ بِالنِّسْبَةِ الْحُكْمِيَّةِ، وَإِنْ جَعَلْنَا النَّفَلَ غَيْرَ الْفَرْضِ فَلَمْ يُجْزِ عَنْ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ. انْتَهَى.
وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ الْمَسَائِلُ الْمَعْدُودَةُ فِي إقَامَةِ النَّفْلِ مَقَامَ الْفَرْضِ كَاللُّمْعَةِ وَغَيْرِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute