للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا: مُرَادُهُ أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْنَا، لَا عَلَى مَنْ عَاصَرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ.

نَعَمْ، هُنَا مَسْأَلَتَانِ: (إحْدَاهُمَا) : بِالنِّسْبَةِ إلَى وُجُوبِ التَّقْلِيدِ، و (الثَّانِيَةُ) : بِالنِّسْبَةِ إلَى جَوَازِهِ، وَالْقَاضِي إنَّمَا حَكَى الِاتِّفَاقَ فِي الْأُولَى، وَحَكَى الْخِلَافَ فِي الثَّانِيَةِ فَقَالَ: وَقَدْ اتَّفَقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الصَّحَابِيِّ تَقْلِيدُ مِثْلِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَبِذَلِكَ لَا يَجِبُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَهُمْ، لِتَسَاوِي أَحْوَالِهِمْ. قَالَ: وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُهُمْ تَقْلِيدَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ بَعْضًا، وَاحْتَجُّوا بِإِجَابَةِ عُثْمَانَ إلَى تَقْلِيدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي الْأَحْكَامِ، وَإِنْ لَمْ نَعْتَبِرْ وُجُوبَ ذَلِكَ. انْتَهَى. وَقَدْ يَدَّعِي أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ. ويَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ الْوُجُوبُ، وَكَلَامُ الشَّيْخِ فِي اللُّمَعِ " يَقْتَضِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا أَجْمَعُوا بَيْنَ الصَّحَابَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ بَنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّهُ حُجَّةٌ أَمْ لَا.

فَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ بَعْضِهِمْ حُجَّةً عَلَى بَعْضٍ، وَلَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، بَلْ يَرْجِعُ إلَى الدَّلِيلِ. وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ حُجَّةٌ فَهَاهُنَا دَلِيلَانِ تَعَارَضَا فَيُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، أَوْ يَكُونُ فِيهِ إمَامٌ. انْتَهَى. ثُمَّ هَذَا الِاتِّفَاقُ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى زَمَنِهِمْ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ بَعْدِهِمْ إذَا اخْتَلَفُوا فَقَدْ ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ حُجِّيَّةَ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ تَزُولُ إذَا خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ اتِّبَاعُ قَوْلِ أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَتَعَلَّقُوا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ. وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَى التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدِهِمْ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ؟ وَفِيهِ أَقْوَالٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>