الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا، كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْمُعْتَزِلَةُ. ويُومِئُ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ أَصْحَابِهِ.
وَزَعَمَ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ، لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ الِاجْتِهَادِ وَاتِّبَاعِ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ صَحِيحُ النَّظَرِ فَقَالَ: وَلَيْسَ فِي اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ سَعَةٌ، إنَّمَا هُوَ خَطَأٌ أَوْ صَوَابٌ. الثَّانِي: أَنَّهُ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقِيَاسِ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ. وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ. قَالَ صَاحِبُ " التَّقْوِيمِ ": قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيُّ: تَقْلِيدُ الصَّحَابَةِ وَاجِبٌ، يُتْرَكُ بِقَوْلِهِ الْقِيَاسُ، وَعَلَيْهِ أَدْرَكْنَا مَشَايِخَنَا. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إنْ شَرَى مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ. وَاحْتَجَّ بِأَثَرِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَالْقِيَاسِ، وَقَالَ: وَلَيْسَ عَنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ مَذْهَبٌ ثَابِتٌ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: " إذَا أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ سَلَّمْنَا لَهُمْ، وَإِذَا جَاءَ التَّابِعُونَ زَاحَمْنَاهُمْ، لِأَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ بِدُونِ إجْمَاعٍ. انْتَهَى.
وَمِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، لَمَّا ذَكَرَ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -: وَهُمْ فَوْقَنَا فِي كُلِّ عِلْمٍ وَاجْتِهَادٍ وَوَرَعٍ وَعَقْلٍ وَأَمْرٍ اُسْتُدْرِكَ فِيهِ عِلْمٌ أَوْ اُسْتُنْبِطَ، وَآرَاؤُهُمْ لَنَا أَجْمَلُ وَأَوْلَى بِنَا مِنْ آرَائِنَا عِنْدَنَا لِأَنْفُسِنَا. وَمَنْ أَدْرَكْنَا مِمَّنْ يَرْضَى أَوْ حَكَى لَنَا عَنْهُ بِبَلَدِنَا صَارُوا فِيمَا لَمْ يُعْلَمْ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ سُنَّةٌ إلَى قَوْلِهِمْ إنْ أَجْمَعُوا، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنْ تَفَرَّقُوا. فَهَكَذَا نَقُولُ: إذَا اجْتَمَعُوا أَخَذْنَا بِاجْتِمَاعِهِمْ، وَإِنْ قَالَ وَاحِدُهُمْ وَلَمْ يُخَالِفُهُ غَيْرُهُ أَخَذْنَا بِقَوْلِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا أَخَذْنَا بِقَوْلِ بَعْضِهِمْ وَلَمْ نَخْرُجُ عَنْ أَقَاوِيلِهِمْ كُلِّهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute