فِي الْبُرْهَانِ ": وَأَفْرَطَ فِي الْقَوْلِ بِهِ حَتَّى جَرَّهُ إلَى اسْتِحْلَالِ الْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ لِمَصَالِحَ تَقْتَضِيهَا فِي غَالِبِ الظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهَا مُسْتَنِدًا، وَحَكَاهُ غَيْرُهُ قَوْلًا قَدِيمًا عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو الْعِزِّ الْمُقْتَرِحُ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْبُرْهَانِ ": إنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ يَصِحَّ نَقْلُهُ عَنْ مَالِكٍ، هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُهُ، وَأَنْكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ أَيْضًا فِي التَّحْرِيرِ " عَلَى الْإِمَامِ وَقَالَ: أَقْوَالُهُ تُؤْخَذُ مِنْ كُتُبِهِ وَكُتُبِ أَصْحَابِهِ، لَا مِنْ نَقْلِ النَّاقِلِينَ.
وَكَذَلِكَ اسْتَنْكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمُعْظَمُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. قَالَ: وَقَدْ اجْتَرَأَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَازَفَ فِيمَا نَسَبَهُ إلَى مَالِكٍ مِنْ الْإِفْرَاطِ فِي هَذَا الْأَصْلِ. وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي كِتَابِ مَالِكٍ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِهِ.
وَهَذَا تَحَامُلٌ مِنْ الْقُرْطُبِيِّ، فَإِنَّ الْإِمَامَ قَدْ حَمَلَ كَلَامَ مَالِكٍ عَلَى مَا يَصِحُّ. وَسَيَأْتِي. وَقَدْ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: نَعَمْ، الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ لِمَالِكٍ تَرْجِيحًا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا النَّوْعِ، وَيَلِيهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَلَا يَكَادُ يَخْلُو غَيْرُهُمَا عَنْ اعْتِبَارِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَكِنْ لِهَذَيْنِ تَرْجِيحٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَلَى غَيْرِهِمَا. انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: هِيَ عِنْدَ التَّحْقِيقِ فِي جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ، لِأَنَّهُمْ يَعْقِدُونَ وَيَقُومُونَ بِالْمُنَاسَبَةِ، وَلَا يَطْلُبُونَ شَاهِدًا بِالِاعْتِبَارِ، وَلَا يَعْنِي بِالْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ إلَّا ذَلِكَ. قَالَ: وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَدْ عَمِلَ فِي كِتَابِهِ الْغِيَاثِيِّ " أُمُورًا وَحَرَّرَهَا وَأَفْتَى بِهَا، وَالْمَالِكِيَّةُ بَعِيدُونَ عَنْهَا، وَحَثَّ عَلَيْهَا وَقَالَهَا لِلْمَصْلَحَةِ الْمُطْلَقَةِ. وَكَذَلِكَ الْغَزَالِيُّ فِي شِفَاءِ الْغَلِيلِ " مَعَ أَنَّ الِاثْنَيْنِ شَدِيدَا الْإِنْكَارِ عَلَيْنَا فِي الْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ. قُلْت: وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ مَذْهَبِ الرَّجُلَيْنِ. وَقَالَ الْبَغْدَادِيُّ فِي جَنَّةِ النَّاظِرِ ": لَا تَظْهَرُ مُخَالَفَةُ الشَّافِعِيِّ لِمَالِكٍ فِي الْمَصَالِحِ، فَإِنَّ مَالِكًا يَقُولُ: إنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا اسْتَقْرَأَ مَوَارِدَ الشَّرْعِ وَمَصَادِرَهُ أَفْضَى نَظَرُهُ إلَى الْعِلْمِ بِرِعَايَةِ الْمَصَالِحِ فِي جُزْئِيَّاتِهَا وَكُلِّيَّاتِهَا وَأَنْ لَا مَصْلَحَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute