تَحَامُلٌ مِنْهُ، فَإِنَّ الْفَقِيهَ يَفْرِضُ الْمَسَائِلَ النَّادِرَةَ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا، بَلْ الْمُسْتَحِيلَةَ لِلرِّيَاضَةِ. وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ كَافَّةُ الْخَلْقِ، وَصُورَةُ الْغَزَالِيِّ إنَّمَا هِيَ فِي أَهْلِ مَحَلَّةٍ بِخُصُوصِهِمْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ الْكُفَّارُ، لَا جَمِيعِ الْعَالَمِ. وَهَذَا وَاضِحٌ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَسْت أُنْكِرُ عَلَى مَنْ اعْتَبَرَ أَصْلَ الْمَصَالِحِ، لَكِنَّ الِاسْتِرْسَالَ فِيهَا. وَتَحْقِيقَهَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ شَدِيدٍ رُبَّمَا خَرَجَ عَنْ الْحَدِّ الْمُعْتَبَرِ. وَقَدْ نَقَلُوا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَطَعَ لِسَانَ الْحُطَيْئَةَ بِسَبَبِ الْهَجْوِ، فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْعَزْمِ عَلَى الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ، فَحَمْلُهُ عَلَى التَّهْدِيدِ الرَّادِعِ لِلْمَصْلَحَةِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى حَقِيقَةِ الْقَطْعِ لِلْمَصْلَحَةِ وَهَذَا نَحْوُ النَّظَرِ فِيمَا يُسَمَّى مَصْلَحَةً مُرْسَلَةً قَالَ: وَقَدْ شَاوَرَنِي بَعْضُ الْقُضَاةِ فِي؟ قَطْعِ أُنْمُلَةِ شَاهِدٍ، وَالْغَرَضُ مَنْعُهُ عَنْ الْكِتَابَةِ بِسَبَبِ قَطْعِهَا، وَكُلُّ هَذِهِ مُنْكَرَاتٌ عَظِيمَةُ الْوَقْعِ فِي الدِّينِ، وَاسْتِرْسَالٌ قَبِيحٌ فِي أَذَى الْمُسْلِمِينَ.
تَنْبِيهٌ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ الْمَصَالِحُ عِنْدَنَا بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فَذَاكَ حَيْثُ لَمْ يُعَارِضْهَا قِيَاسٌ، فَإِنْ عَارَضَهَا خَرَجَ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ قَوْلَانِ، مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً. وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ ": تُنَجِّسُهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَلَمْ تُنَجِّسْهُ فِي الْآخَرِ، وَهُوَ
الْأَصْلَحُ
لِلنَّاسِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ مِنْ السِّلْسِلَةِ ": إذَا تَاجَرَ الْعَامِلُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ، أَوْ اشْتَرَى بِغَيْرِ الْمَالِ وَرَبِحَ فَوَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) : أَنَّ تِلْكَ الْعُقُودَ بَاطِلَةٌ. و (الثَّانِي) : أَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إجَازَةِ الْعُقُودِ وَبَيْنَ فَسْخِهَا. (قَالَ) : وَالْقِيَاسُ مَعَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ،
وَالْمَصْلَحَةُ
مَعَ الثَّانِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute