قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ: وَهَذِهِ الْمُبَالَغَةُ كَانَتْ مِنْ أُمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَمَوْلَاهَا قَبْلَ الْعِتْقِ، فَيَتَخَرَّجُ قَوْلُ عَائِشَةَ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ، مَعَ الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ هَذِهِ الذَّرَائِعِ وَلَعَلَّ زَيْدًا لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الرِّبَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ قَالَ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَقِدَ فِي زَيْدٍ أَنَّهُ وَاطَأَ أُمَّ وَلَدِهِ عَلَى الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا إلَى أَجَلٍ. وَقَوْلُ عَائِشَةَ: أَحْبَطَ عَمَلَهُ. مَعَ أَنَّ الْإِحْبَاطَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالشِّرْكِ، لَمْ تُرِدْ إحْبَاطَ الْإِسْقَاطِ بَلْ إحْبَاطَ الْمُوَازَنَةِ، وَهُوَ وَزْنُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ بِشَيْءٍ، كَقَوْلِهِ: «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» وَالْقَصْدُ ثَمَّ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِنْكَارِ لَا التَّحْقِيقُ، وَأَنَّ مَجْمُوعَ الثَّوَابِ الْمُتَحَصِّلِ مِنْ الْجِهَادِ لَيْسَ بَاقِيًا بَعْدَ هَذِهِ السَّيِّئَةِ، بَلْ بَعْضُهُ، فَيَكُونُ الْإِحْبَاطُ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، بِحَيْثُ لَوْ اقْتَدَى بِهِ النَّاسُ انْفَتَحَ بَابُ الرِّبَا نَسِيئَةً. .
(قَالَ: وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي سَدِّ ذَرَائِعِ بُيُوعَ الْآجَالِ) . وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] وَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَتَى بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلُوا وَلَكِنْ بِيعُوا تَمْرَ الْجَمْعِ بِالدَّرَاهِمِ وَاشْتَرُوا بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» . فَهَذَا بَيْعُ صَاعٍ بِصَاعَيْنِ وَإِنَّمَا تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا عَقْدُ الدَّرَاهِمِ. وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِي مَعَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَالْكَلَامَ فِيهِ. قُلْت: وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ عَائِشَةَ إنَّمَا قَالَتْ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهَا، وَاجْتِهَادُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْآخَرِ بِالْإِجْمَاعِ، كَمَا سَبَقَ نَقْلُهُ عَنْ الْقَاضِي. ثُمَّ قَوْلُهَا مُعَارِضٌ لِفِعْلِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. ثُمَّ إنَّمَا أَنْكَرَتْ ذَلِكَ لِفَسَادِ الْبَيْعَيْنِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ، فَإِنَّ وَقْتَ الْعَطَاءِ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَالثَّانِي بِنَاءً عَلَى الْأَوَّلِ، فَيَكُونُ أَيْضًا فَاسِدًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute