للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ الرِّفْعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَاوَلَ تَخْرِيجَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الذَّرَائِعِ مِنْ نَصِّهِ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ الْأُمِّ إذْ قَالَ بَعْدَمَا ذَكَرَ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ، وَإِنَّمَا يَحْتَمِلُ إنَّمَا كَانَ ذَرِيعَةً إلَى مَنْعِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَمْ يَحِلَّ، وَكَذَا مَا كَانَ ذَرِيعَةً إلَى إحْلَالِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ مَا نَصُّهُ: وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَفِي هَذَا مَا يَثْبُتُ أَنَّ الذَّرَائِعَ إلَى الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ يُشْبِهُ مَعَانِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. انْتَهَى. وَنَازَعَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ: إنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَحْرِيمَ الْوَسَائِلِ لَا سَدَّ الذَّرَائِعِ، وَالْوَسَائِلُ مُسْتَلْزَمَةُ الْمُتَوَسَّلِ إلَيْهِ. وَمِنْ هَذَا بَيْعُ الْمَاءِ فَإِنَّهُ مُسْتَلْزَمٌ عَادَةً لِمَنْعِ الْكَلَأِ الَّذِي هُوَ حَرَامٌ. وَنَحْنُ لَا نُنَازِعُ فِيمَا يَسْتَلْزِمُ مِنْ الْوَسَائِلِ. قَالَ: وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي نَفْسِ الذَّرَائِعِ لَا فِي سَدِّهَا.

وَالنِّزَاعُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي سَدِّهَا. ثُمَّ قَالَ: الذَّرِيعَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا يَقْطَعُ بِتَوْصِيلِهِ إلَى الْحَرَامِ فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ. وَالثَّانِي: مَا يَقْطَعُ بِأَنَّهَا لَا تُوصِلُ وَلَكِنْ اخْتَلَطَتْ بِمَا يُوصِلُ، فَكَانَ مِنْ الِاحْتِيَاطِ سَدُّ الْبَابِ وَإِلْحَاقُ الصُّورَةِ النَّادِرَةِ الَّتِي قَطَعَ بِأَنَّهَا لَا تُوصِلُ إلَى الْحَرَامِ بِالْغَالِبِ مِنْهَا الْمُوصِلُ إلَيْهِ. وَهَذَا غُلُوٌّ فِي الْقَوْلِ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ. وَالثَّالِثُ: مَا يَحْتَمِلُ وَيَحْتَمِلُ. وَفِيهِ مَرَاتِبُ مُتَفَاوِتَةٌ وَيَخْتَلِفُ التَّرْجِيحُ عِنْدَهُمْ بِسَبَبِ تَفَاوُتِهَا. قَالَ: وَنَحْنُ نُخَالِفُهُمْ فِي جَمِيعِهَا إلَّا الْقِسْمَ الْأَوَّلَ، لِانْضِبَاطِهِ وَقِيَامِ الدَّلِيلِ. انْتَهَى. وَقِيلَ: أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَوَاضِحٌ، بَلْ نَقُولُ بِهِ فِي الْوَاجِبَاتِ كَمَا نَقُولُ: مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. أَمَّا مُخَالَفَتُهُمْ فِي الثَّانِي فَكَذَلِكَ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلَعَلَّهُ الَّذِي حَاوَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَخْرِيجَ قَوْلٍ مِنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ عَنْ النَّصِّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>