للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَصْحَابُنَا: وَمَنْ شَرَّعَ فَقَدْ كَفَرَ. وَسَكَتَ الشَّافِعِيُّ عَنْ الْمُقَدَّمَةِ الثَّانِيَةِ لِوُضُوحِهَا. قَالَ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ ": مُرَادُهُ لَوْ جَازَ الِاسْتِحْسَانُ بِالرَّأْيِ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ لَكَانَ هَذَا بَعْثَ شَرِيعَةٍ أُخْرَى عَلَى خِلَافِ مَا أَمَرَ اللَّهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ أَكْثَرَ الشَّرِيعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْعَادَاتِ، وَعَلَى أَنَّ النُّفُوسَ لَا تَمِيلُ إلَيْهَا. وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ اسْتِحْسَانُ مَا فِي الْعَادَاتِ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي " الرِّسَالَةِ ": الِاسْتِحْسَانُ تَلَذُّذٌ، وَلَوْ جَازَ لِأَحَدٍ الِاسْتِحْسَانُ فِي الدِّينِ جَازَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْعُقُولِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَجَازَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الدِّينِ فِي كُلِّ بَابٍ، وَأَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدِ لِنَفْسِهِ شَرْعًا، وَأَيُّ اسْتِحْسَانٍ فِي سَفْكِ دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ. وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالزِّنَى فِي الزَّوَايَا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا رَجْمَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّا نَرْجُمُهُ اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ فِي آخَرِ " الرِّسَالَةِ ": " تَلَذُّذٌ " وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ اشْتَهَرَ عَنْهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ حُكْمُ الْمُجْتَهِدِ بِمَا يَقَعُ فِي خَاطِرِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: قَدْ كَانَ أَهْلُ الْعِرَاقِ عَلَى طَرِيقَةٍ فِي الْقَوْلِ بِالِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ مَا اسْتَحْسَنَتْهُ عُقُولُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى أَصْلٍ، فَقَالُوا بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِهِمْ حَتَّى قَالُوا فِي الْجَزَاءِ: إنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ فِيهِ الْقِيمَة، وَالِاسْتِحْسَانُ: شَاةٌ، وَقَالُوا فِي الشُّهُودِ بِالزَّوَايَا: الْحَدُّ اسْتِحْسَانًا. قَالَ: وَقَدْ تَكَلَّمَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ عَنْ بُطْلَانِهِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، حِينَ بَعَثَ مُعَاذًا وَدَلَّهُ عَلَى الِاجْتِهَادِ عِنْدَ فَقْدِ النَّصِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ الِاسْتِحْسَانَ. وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ اتِّبَاعِ الْهَوَى وَمِمَّنْ أَنْكَرُوا الِاسْتِحْسَانَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ الطَّحْطَاوِيُّ، حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>