للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَجْمَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَأَيُّ اسْتِحْسَانٍ فِي قَتْلِ مُسْلِمِينَ؟ ، وَقَالَ فِي الزَّوْجَيْنِ إذَا تَقَاذَفَا، قَالَ لَهَا: يَا زَانِيَةُ، فَقَالَتْ: بَلْ أَنْتَ زَانٍ، لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ، لِأَنِّي أَسْتَقْبِحُ أَنْ أُلَاعِنَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَحُدُّهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَقْبَحُ مِنْهُ تَعْلِيلُ حُكْمِ اللَّهِ عَلَيْهِمَا. انْتَهَى. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ فَهِمَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مُرَادَهُ بِالِاسْتِحْسَانِ هَذَا، فَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِ أَصْحَابِهِ ذَلِكَ. وَقَدْ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى بُطْلَانِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩] إلَى {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} [النساء: ٥٩] فَجَعَلَ الْأَحْسَنَ مَا كَانَ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: ١٠] وَلَمْ يَقُلْ: إلَى الِاسْتِحْسَانِ. وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِحْسَانِ بِدَلِيلِ جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِهِ دُونَ الِاسْتِحْسَانِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ الِاسْتِحْسَانُ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْخَصْمُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: ١٨] ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَحْكَامٍ عَدَلُوا عَنْ الْأُصُولِ فِيهَا إلَى الِاسْتِحْسَانِ: (مِنْهَا) دُخُولُ الْوَاحِدِ إلَى الْحَمَّامِ لِيَسْتَعْمِلَ مَاءً غَيْرَ مُقَدَّرٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>