اللَّفْظِ، وَهُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْقِيَاسِ، وَحِينَئِذٍ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ. السَّادِسُ: أَنَّهُ دَلِيلٌ يَنْقَدِحُ فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ تَقْتَصِرُ عَنْهُ عِبَارَتُهُ، فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَفَوَّهَ بِهِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا هُوَ بَيِّنٌ، لِأَنَّ مَا يَقْدِرُ عَلَى التَّعْبِيرُ عَنْهُ لَا يَدْرِي هُوَ وَهْمٌ أَوْ تَحْقِيقٌ.
وَرَدَّ عَلَيْهِ الْقُرْطُبِيُّ: بِأَنَّ مَا يَحْصُلُ فِي النَّفْسِ مِنْ مَجْمُوعِ قَرَائِنِ الْأَقْوَالِ مِنْ عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ، لَا يَتَأَتَّى عَنْ دَلِيلِهِ عِبَارَةٌ مُطَابِقَةٌ لَهُ. ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاخْتِلَالِ بِالْعِبَارَةِ الْإِخْلَالُ بِالْمُعَبَّرِ عَنْهُ، فَإِنَّ تَصْحِيحَ الْمَعَانِي بِالْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ لَا بِالنُّطْقِ اللَّفْظِيِّ، قَالَ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا أَشْبَهَ مَا يُفَسَّرُ بِهِ الِاسْتِحْسَانُ. قُلْت: وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ الْمُجْتَهِدُ فِيمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ. أَمَّا الْمُنَاظِرُ فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِيَظْهَرَ خَطَؤُهُ مِنْ صَوَابِهِ. وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي " الْكَافِي ": يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُجَّةً، إذْ لَا شَاهِدَ لَهُ. السَّابِعُ: أَنَّهُ مِمَّا يَسْتَحْسِنُهُ الْمُجْتَهِدُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ وَحَدِيثِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ. وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ "، قَالَ: وَأَنْكَرَهُ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّيْخُ الشِّيرَازِيُّ: إنَّهُ الَّذِي يَصِحُّ عَنْهُ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ: " مَنْ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ ".
وَهَذَا مَرْدُودٌ، لِأَنَّهُ قَوْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي، وَمُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: ١٠] لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يُنْكِرُونَ هَذَا التَّفْسِيرَ لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّنَاعَةِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ فِي النَّقْلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَفْد صَنَّفَ الشَّافِعِيُّ كِتَابًا فِي الْأُمِّ " فِي الرَّدِّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي الِاسْتِحْسَانِ، وَقَالَ مِنْ جُمْلَتِهِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَمَّا رَدَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ بَيْنَ الْمُتَتَابِعَيْنِ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ، فَتَرَكَ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ بِهَذَا التَّخْمِينِ. وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ شُهُودِ الزَّوَايَا: الْقِيَاسُ أَنَّهُمْ قَذَفَةٌ يُحَدُّونَ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ، لَكِنْ اسْتَحْسَنَ قَبُولَهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute