لَا تَتَفَاوَتُ فَمَرْدُودٌ، لِأَنَّ الْعُقُودَ الْفَاسِدَةَ فِي الْكَثْرَةِ حَدَثَتْ بَعْدَ عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ. فَأَمَّا الْمَعْنَى الْخَفِيُّ إذَا كَانَ أَخَصَّ فَهُوَ مُتَّبَعٌ. وَلَكِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَكْتَفِ بِمُوجِبِهِ حَتَّى أَتَى بِالْعَجَبِ فَقَالَ: يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى أَرْبَعُ زَوَايَا، كُلُّ وَاحِدٍ يَشْهَدُ عَلَى زَاوِيَةٍ. قَالَ: وَلَعَلَّهُ كَانَ يَتَزَحَّفُ فِي زَنْيَةٍ وَاحِدَةٍ. وَأَيُّ اسْتِحْسَانٍ فِي سَفْكِ دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِهَذَا الْخَيَالِ. انْتَهَى. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الثَّالِثِ، فَقَالَ: الْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَتَّبِعُ مَا اُسْتُحْسِنَ بِالْعَادَةِ وَيَتْرُكُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الْمُتَوَاتِرَةَ. وَمَثَّلَهُ بِشُهُودِ الزِّنَى. انْتَهَى. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْعَمِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ فِي الْأُصُولِ " أَنَّهُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْمَعْنَى الْخَفِيِّ قَالَ: وَلَا عَيْبَ إذَنْ فِي إطْلَاقِهِ، بَلْ الْعَيْبُ عَلَى مَنْ جَهِلَ حَقِيقَتَهُ وَقَالَ بِهِ مِنْ حَيْثُ عِيبَ عَنْ قَائِلِهِ. قَالَ: وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ فِي كِتَابِهِ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ قُضَاةِ مَدِينَةِ السَّلَامِ مِمَّنْ كَانَ يَلِي الْقَضَاءَ فِي زَمَانِ الْمُسْتَعِينِ بِاَللَّهِ، قَالَ: سَمِعْت إبْرَاهِيمَ بْنَ جَابِرٍ، وَكَانَ رَجُلًا كَثِيرَ الْعِلْمِ، صَنَّفَ فِي اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ، وَكَانَ يَقُولُ بِنَفْيِ الْقِيَاسِ بَعْدَ أَنْ أَثْبَتَهُ.
قُلْت لَهُ: مَا الَّذِي أَوْجَبَ عِنْدَك الْقَوْلَ بِنَفْيِ الْقِيَاسِ بَعْدَ الْقَوْلِ بِهِ؟ قَالَ: قَرَأْت كِتَابَ إبْطَالِ الِاسْتِحْسَانِ " لِلشَّافِعِيِّ، فَرَأَيْتُهُ صَحِيحًا فِي مَعْنَاهُ، إلَّا أَنَّ جَمِيعَ مَا احْتَجَّ بِهِ هُوَ بِعَيْنِهِ يُبْطِلُ الْقِيَاسَ، وَصَحَّ بِهِ عِنْدِي بُطْلَانُهُ. قَالَ: فَهَذِهِ حِكَايَةٌ تُنَادِي عَلَى الْخَصْمِ أَنَّهُ يَقُولُ بِمَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِالنَّقْضِ. قُلْت: إنْ كَانَ الِاسْتِحْسَانُ كَمَا نَقُولُ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْقِيَاسِ، فَلَا وَجْهَ لِتَسْمِيَتِك بِهِ بِاسْمٍ آخَرَ. وَلَئِنْ قُلْت: لَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ قُلْنَا: هُنَا يُوهِمُ أَنَّهُ دَلِيلٌ غَيْرُ الْقِيَاسِ، فَقُلْ: هُوَ قِيَاسٌ فِي الْمَعْنَى. وَلَهُ اسْمٌ آخَرُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute